الرئيسية / مقالات رأي / ليبيا وفرص النجاة

ليبيا وفرص النجاة

بقلم: السفير محمد بدر الدين زايد – المصري اليوم 

الشرق اليوم – يثار الكثير من الجدل حول الانتخابات الرئاسية الليبية، الذي بدأ منذ إصدار القانون الخاص بها، وادعاء فصائل سياسية- أغلبها منتمية لتوظيف الدين في السياسة- أن هذا القانون الذي أصدره مجلس النواب برئاسة المستشار عقيلة صالح قد تم إصداره لصالح أطراف معينة، وكالعادة كان السيد خالد المشري، رئيس ما يسمى المجلس الأعلى للدولة، الذي سبق إنشاؤه في إطار ترتيبات اتفاقية الصخيرات 2015 هو الأعلى صوتا وانطلقت معارضته الصريحة إلى ترشح عدد من الشخصيات، على رأسها قائد الجيش خليفة حفتر وسيف القذافي وآخرون، وقد هدأت هذه الضجة الأولى نسبيا بعد توالي التصريحات الأممية والغربية الرافضة لأي تعويق للعملية الانتخابية والداعية إلى ضرورة إجرائها في موعدها هذا الشهر في 24 الجاري.

لكن تصاعد مناخ التوتر مرة أخرى وبشكل أكثر حدة مع المعارك القضائية حول المرشحين، في البداية باستبعاد عدد من المتنافسين المهمين، وعلى رأسهم سيف القذافي ونوري أبوسهمين، رئيس المجلس النيابي السابق على مجلس النواب خلال الفترة الانتقالية، والذي لعب دورا خطيرا آنذاك لإرباك العملية السياسية ومحاولة تمهيد الطريق لحكم الإخوان وإبعاد ليبيا عن مصر بشكل خاص، لكن هؤلاء عادوا بحكم صادر من القضاء الليبي، وكان أصعب هذه الأحكام سيف القذافي الذي أعاقت ميليشيات مسلحة وصول رجال القضاء إلى المحكمة لعدة أيام حتى تمكنوا من الوصول وإصدار قرارهم سابق الذكر، بينما أعادت المحكمة نوري أبوسهمين وآخرين دون ضجة تذكر، ومن ناحية أصدرت إحدى المحاكم حكما باستبعاد خليفة حفتر ثم نجح بالعودة من خلال محكمة الاستئناف، وحسم القضاء أيضا مسألة ترشح رئيس الوزراء الحالي عبدالحميد الدبيبة. الجدير بالذكر أنه رغم حكم محكمة سبها لصالح القذافي إلا أن هذا الترشح لا يمكن وصفه إلا بالمعقد في ضوء الاتهامات الموجهة ضده في المحكمة الجنائية الدولية والتي لم تصدر بها أي أحكام بعد.

واضح أنه تتركز الصعوبات الآن حول أمرين، الأول أن تتمكن البلاد من عقد هذه الانتخابات في موعدها، وأن تقبل الأطراف المختلفة الناتج أيا كان، والثاني مسألة التعامل مع المرتزقة الأجانب وترحيلهم من البلاد، ويتصل بهذا مسألة الميليشيات المسلحة ووضعها في الدولة الليبية إذا حسمت نتائج الانتخابات. وفيما يتعلق بالبعد الأول فإن الشواهد تشير إلى أن ما هو قادم ربما يكون أكثر تعقيدا، فلم تتضح بعد تداعيات نتائج المعارك القضائية، وما هي تداعيات عودة القذافي الابن رغم وجود قطاعات واسعة معارضة ومتحفظة ورغم وجود احتمالات بنتائج محاكمة دولية، وفي الحقيقة أنه من تبسيط الأمور وافتراض حسن النوايا تصور أن هذه الانتخابات ستعقد بسهولة، على الأقل فى جميع الدوائر، وكذا توقع أن كافة المرشحين سيقبلون النتيجة أيا كانت، والسوابق ترجح أن فصائل توظيف الدين في السياسة لن تقبل أي نتيجة لا تأتي برئيس قريب منهم أو يمكن عقد صفقات معه. من ناحية أخرى تظل القضية الأكبر في ليبيا هي مسالة الميليشيات المسلحة، وكل هذا السلاح خارج منظومة الدولة وهي قضية مهمة في ذاتها وفيما يتعلق بأثرها على عقد انتخابات سليمة ونزيهة، وكذا بالنسبة لقبول نتائجها، فضلا عن انقسام في مؤسسة الجيش الليبي وإصرار كل طرف في الشرق وفي الغرب على أنه ممثل الجيش الحقيقي. وفي وقت تتوالى اجتماعات لجنة 5 زائد 5 في العواصم المختلفة، وتناقش بشكل جاد مسألة انسحاب الميليشيات الأجنبية من البلاد، بل، وفي مشهد أراه مسرحيا، تعقد اجتماعين مؤخرا في تركيا وروسيا لتدعو مرتزقة البلدين، فضلا عن المرتزقة السوريين والدواعش الذين جلبتهم تركيا للخروج من البلاد، في هذا الوقت يتحرك الموقف الأوروبي والأمريكي خطوات مهمة للأمام ويعرض الاتحاد الأوروبي القيام بالمساعدة في نقل هذه الميليشيا خارج البلاد، وهو عرض بالغ الأهمية والإحراج لتركيا وروسيا، ثم جاءت العقوبات الغربية مؤخرا ضد شركة فاجنر للمرتزقة الروس، وما يبدو من توجهات لمزيد من التصعيد تجاه مواقف أكثر جدية في الضغط لإخراج المرتزقة من كافة الجنسيات الذين يهددون بإفشال جهود هذه الترتيبات.

كنت دوما أشير إلى أن الأزمة الليبية تسير في دوائر مغلقة، كلما تحركت تجاه الانفراج تتعقد في نقطة أخرى، فعندما عقدت الانتخابات في 2014 وتشكل مجلس النواب ولجأ إلى طبرق هربا من التيارات المتطرفة، اعتبرت هذه القوى المتطرفة هذا وهذه الانتخابات ذاتها سببا في ترسيخ نفوذها في الغرب اعتمادا على القوة، وكان المخرج في اتفاق الصخيرات الذى عرضت له كثيرا هنا والذي سبب خللا في العملية السياسية وأعطى الفرصة لقوى لا وزن سياسي لها، لكن عسكري، أن تسرق العملية السياسية باسم الوفاق، واندلع الصراع العسكري الذي انتهى بالتدخل التركي والإنذار المصري الذي منع استمرار العمليات العسكرية لتبدأ عملية سياسية جديدة يفترض أن قمتها كانت عقد هذه الانتخابات المقبلة، واليوم تكاد هذه الانتخابات أن تكون مخرجا لبدء تسوية حقيقية أو لبدء دائرة جديدة من الصراع.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …