بقلم: رندة تقي الدين – النهار العربي
الشرق اليوم – متى يبوح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بسره شبه المعروف؟ هل يترشح لولاية رئاسية ثانية؟ هذا السؤال يوجهه إليه باستمرار الصحافيون الفرنسيون الذين يواكبون تنقلاته الداخلية والخارجية. عقد مؤتمرا صحافيا لمدة ساعتين الأسبوع الماضي لتقديم خطته لرئاسة فرنسا الاتحاد الأوروبي التي تبدأ في كانون الثاني (يناير) وتمتد إلى خمسة أشهر، أي إلى بعد موعد الانتخابات الرئاسية يوم ٢٧ نيسان (أبريل) من ٢٠٢٢ وسئل عن الموضوع فقال ضاحكا للصحافية التي سألته إنه لن يجيب عن هذا السؤال، ولكنه أكد أنه سيقوم بعمله كرئيس للدولة للحظة الأخيرة من عهده الرئاسي.
وتوقع ماكرون أن يسأل باستمرار حول الموضوع .
ومثل إعلان ترشيح ديغوليي الحزب الجمهوري فاليري بيكريس رئيسة منطقة “الايل دو فرانس” التي تضم باريس منافسة إضافية وجدية للمرشح المحتمل ايمانويل ماكرون. فاليمين المتطرف مع مارين لوبن رئيسة حزب التجمع والمرشح اليميني المتطرف الآخر ايريك زيمور اليهودي الفرنسي منقسم فيما بيكريس مرشحة اليمين الديغولي للرئاسة عملت وتعمل لتوحيد صف حزب مزقته في ماض قريب الفضائح والانقسامات مع فشل رئيس وزراء الفرنسي السابق فرانسو فيون في وصوله إلى الدورة الثانية من الانتخابات الماضية. وبيكريس في الرابعة والخمسين من عمرها، بدأت حياتها السياسية إلى جانب الرئيس الراحل جاك شيراك وعملت وزيرة تعليم ثم وزيرة للموازنة في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي. وهما رئيسان صاحبا وزن شعبي. وأدى تمكنها من الفوز في الانتخاب الأولى داخل الحزب حيث تفوقت على كل المرشحين الذين كانوا في طليعة استطلاعات الرأي، إلى صعودها الى المرتبة الثانية بعد ماكرون في آخر استطلاعات الرأي لانتخابات الرئاسة. ويراهن المقربون من ماكرون على انها لن تتمكن من الفوز في مناظرته لأن معرفته أوسع وهي ليست لامعة مثله. إلا أن من يعرفها يقول انها قادرة على الفوز لأنها تعمل وتستعد بجدية كبرى وهي في الحياة الإدارية والسياسية منذ زمن طويل ولها خبرة في العمل الحكومي.
وتشير استطلاعات الرأي للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية للسنة المقبلة الى فوز ماكرون بـ ٥١ في المئة مقابل ٤٩ في المئة لبكريس في حال وصلت إلى الدورة الثانية. أما إذا وصلت لوبان إلى الدورة الثانية فسيفوز ماكرون بـ٥٨ في المئة مقابل ٤٢ في المئة للوبان التي تخسر بسبب انقسام اليمين المتطرف مع ظهور المرشح إيريك زيمور الذي في حال وصل إلى الدورة الثانية بوجه ماكرون سيحصل بحسب الاستطلاعات الأخيرة على ٣٧ في المئة مقابل ٦٣ في المئة لماكرون. وهذا جعل بعض معارضي ماكرون يدعون أنه شجع صعود زيمور كي يزيد حظوظه بفوز كبير.
ورغم هذه الاستطلاعات هناك من يرى ان بامكان بيكريس أن تفوز على ماكرون، علما انها تفتقد الكثير من كاريزماه وبراعته وقدرته على التفوق في أي حوار. ولكن بيكريس تتمتع بدعم حزبها وتيارات مختلفة منها يمين متطرف متمثل بالنائب إيريك سيوتي رئيس مجلس منطقة “الالب ماريتيم” الذي كان منافسا لبيكريس وحصل على المرتبة الثانية في انتخابات الحزب الجمهوري ما يضطرها لمراعاة تياره بأفكاره اليمينية المتشددة.
ما يميز بيكريس عن ماكرون أنها مرشحة حزب سياسي له قاعدة على الأرض في جميع أنحاء فرنسا في حين أن ماكرون أسس حزبه ” الى الامام ” “en marche”من اليسار واليمين لأنه اعتبر أن الفرنسيين سئموا حياة سياسية تقتصر على حزبين أساسيين الاشتراكيين والجمهوريين. وقد تمكن من استقطاب مناضلين من الحزبين للالتحاق برئاسته، فوقع اختياره على رئيس حكومته السابق أدوار فيليب رئيس بلدية لو هافر، علما أنه سرعان ما أبعده لأنه كان أكثر شعبية منه وهو الآن يستعين به لمساعدته في حملته الانتخابية لدفع مؤيديه للتصويت له. وهناك شخصيات سياسية كانت تنتمي إلى حزب بيكريس وخرجت منه للالتحاق بالحكومة منها وزيرا المال برونو لومير والداخلية جيرالد دارمانين. كما أن ماكرون استعان بجان ايف لودريان خلال ٥ سنوات من ولايته الرئاسية كونه ركنا مهما من الحزب الاشتراكي بإمكانه جلب أصوات اشتراكية لماكرون. ولكن حزب ماكرون تنقصه قاعدة واسعة في فرنسا. ماكرون وصل إلى الرئاسة وعمره ٣٨ سنة، وهو أصغر رئيس في تاريخ فرنسا. شبابه وبراعته وقدرته على العمل أوصلته، وساعدته أيضا الظروف السياسية، إذ أن فضائح مرشح اليمين الديغولي فيون أفشلت الحزب، وبقيت لوبان في وجه ماكرون في حوار خسرته لأنها أقل معرفة منه. أما هذه المرة إذا وصلت بيكريس إلى الدورة الثانية سيكون فوز ماكرون أصعب وغير مؤكد لأنها تمثل خطرا حقيقيا، فهي بإمكانها أن تستقطب كل الذين لا يريدون التصويت لماكرون لأنهم يعتبرونه متكبرا ولا يسمع لأحد. إن كلمة الناخب الفرنسي تحمل دائما مفاجآت، فرغم أن ماكرون هو المرشح المرجح فوزه إلا أن المراهنة صعبة قبل أربعة أشهر من الانتخاب وماكرون لم يعلن بعد عن سره.