الرئيسية / مقالات رأي / لا أحد يرفض الترحيب بالأخبار السارة، لكن ماذا عن أزمات الإقليم

لا أحد يرفض الترحيب بالأخبار السارة، لكن ماذا عن أزمات الإقليم

بقلم: كرم نعمة – العرب اللندنية

الشرق اليوم- أمر حسن أن تزداد مؤشرات التفاؤل عند صناع الاستراتيجيات في المنطقة، ويضاف إليهم الخبراء السياسيون عندما لا يخفون تفاؤلهم بما يحصل.

كل المؤشرات تجمع على تشكل خطوط نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط سيكون لإيران المسالمة “تراجع اسم إيران المارقة” وتركيا المتعاونة “تراجع تعبير تركيا أردوغان المتغطرسة”، الدور الأهم في هذا النظام.

هناك استباق أيضا للقمة الخليجية المؤمل عقدها في السعودية خلال أيام باعتبارها قمة مفصلية، سيعيد مجلس التعاون الخليجي تماسكه ولن تتكرر صورة الوجوه الممتعضة في قمة الكويت عام 2017 فباستثناء أمير الكويت الراحل صباح الأحمد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، مثلت الدول الأخرى على مستوى وزراء الخارجية.

مازال هناك الكثير من الأخبار السارة، فالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أكمل ورقة إعادة سوريا إلى حضنها العربي، ولقي دعما روسيا وإقليميا، باستثناء الاعتراض المتمهل من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، برفضها التعجل في استعادة الثقة بنظام الرئيس بشار الأسد.

الترقب مستمر من دول جوار العراق للقبول بنتائج الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة تعيد الاستقرار السياسي عندما يحظى مصطفى الكاظمي بثقة الفرقاء الشيعة، هذا خبر سار أيضا.

قد يفرط البعض في التفاؤل عندما يترقب اجتماع السعوديين والحوثيين على طاولة سلام واحدة، والاعتراف بالميليشيات الحوثية المدعومة من إيران بأنها جزء لا يتجزأ من تشكيل مستقبل اليمن!

على الطرف الآخر ثمة إجماع دولي على إجراء الانتخابات الليبية في وقتها، وثمة ترقب أن تكون نتائجها جزءا من الحل الصعب في تلك البلاد المنقسمة على نفسها. على هذا المنوال نجد حزمة أخرى من القراءات المتفائلة عن تونس والسودان…

في تلك الأخبار السارة يبدد المحللون الكآبة القائمة داخل المجتمعات العربية، ويعدون بنظام إقليمي جديد تكون فيه إيران وتركيا طرفين فاعلين ومتعاونين.

حسنا، لا أحد يرفض الترحيب بالأخبار السارة خصوصا ما يتعلق منها بالعلاقات العربية مع تركيا وإيران، وفقا للفلسفة السياسية عن الثوابت والمتغيرات بعدم وجود مواقف جامدة في علاقات الدول في ما بينها عندما يتعلق الأمر بالمصلحة الوطنية.

وواحدة من أهم المؤشرات التي يستند عليها صناع خطاب التفاؤل بشأن نظام إقليمي أكثر هدوءا في المنطقة، هو الموقف من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعد تراجعه عن دعم الشركاء التاريخيين في المنطقة.

دول الخليج لمست بشكل كارثي الخيبة السياسية التي تركتها إدارة بايدن في أفغانستان، وأعيد إطلاق السؤال بحجم أكبر في التعبير عن المخاوف. فمن يمنع تلك الإدارة الديمقراطية من تكرار هزيمتها في أفغانستان في مناطق أخرى قريبة من إيران، عندما تدفع باتجاه إعادة الاتفاق النووي مع طهران وتبدو أكثر ودا مع تلك الدولة التي كانت في محور الشر “ألم يعد توصيف حركة طالبان الإرهابية”. كما أن تلك الإدارة لا تخفي انشغالها بملفات صراعها مع الصين وروسيا أكثر من اهتمامها بما يجري في المنطقة العربية.

كان أهم تلك التصريحات ما عبر عن خيبة سياسية وعاطفية مريرة لمسؤول سعودي بقوله “أفغانستان زلزال.. زلزال مدمر سيبقى معنا لفترة طويلة جدا جدا”.

وتساءل المسؤول الذي نقلت كلامه وكالة رويترز دون ذكر اسمه “هل يمكننا بحق الاعتماد على مظلة أمنية أميركية للسنوات العشرين القادمة؟ أعتقد أنها مسألة شائكة للغاية في الوقت الحالي.. شائكة حقا”.

ذلك ما سبق وأن شخّصه أيضا وبوضوح الكاتب فيليب ستيفنز بمقال بصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية بتأكيده أن الولايات المتحدة لطالما كانت تتجاهل حلفاءها خلال السعي لتحقيق مصلحتها الوطنية، مشيرا إلى عدم الاكتراث والقسوة التي يمكن أن تتعامل بهما واشنطن مع حلفائها عندما لم تبتعد أبدا عن السعي وراء المصلحة الأنانية، بغض النظر عن تعارضها مع مصلحة حلفائها.

بينما عبر الزميل الباحث في معهد جيمس بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس كريستيان أولريشن عن اعتقاده بأن التصورات مهمة سواء كانت متجذرة في واقع بارد أم لا.. والتصوّر واضح جدا بأن الولايات المتحدة ليست ملتزمة تجاه الخليج العربي كما كانت في السابق، في وجهات نظر العديد من الأشخاص في سلطة صنع القرار في المنطقة.

فالسعوديون يرون الآن أوباما وترامب وبايدن، ثلاثة رؤساء متعاقبين يتخذون قرارات تدل إلى حد ما على التخلي.

يمكن أن نعود هنا أيضا للتصريحات المهمة التي لم يتوقف عن إطلاقها رئيس الاستخبارات السعودي السابق الأمير تركي الفصيل، باعتباره أفضل من يجيب على الأسئلة الأكثر طلبا عند وسائل الإعلام الغربية بوصفه مسؤولا سابقا لا يمكن تحميل السلطات السعودية ما يقوله.

الأمير تركي يعبر عن الحقائق التي يتجنبها الدبلوماسيون باعتبار أن الولايات المتحدة تبعث برسائل غير مطمئنة للمنطقة ولحلفائها الاستراتيجيين.

كل هذه مؤشرات كافية لصناع القرار السياسي في المنطقة العربية لإعادة ترتيب أوضاع الإقليم بأنفسهم وعدم التعويل على الدور الأميركي الحامي من التهديدات الخارجية، ويبدو ذلك سببا كافيا لتقديم إيران وتركيا بغير الصورة التي بقيت سائدة عنهما خلال السنوات الأخيرة.

حسنا، لنعد ترتيب منطقتنا بأنفسنا وفق مفاهيم السلام والشراكة والتعاون وإن كانت إيران وتركيا جزءا فاعلا فيها، وإعادة فهم العلاقة بغير ما كان بالأمس.

يبدو هذا الكلام يصب في مصلحة الشعوب من وجهة نظر الدول التي لم تخف من قبل ازدراءها السياسي للتدخلات الإيرانية والتركية في شؤون دول المنطقة. وهو أمر معقول ومقنع وليس مرهقا كما يبدو للوهلة الأولى لصناع الخطاب الإعلامي في تلك الدول، وفق الحقائق الجيوسياسية بأن النظام الإقليمي لا يستقر من دون دعم قوتين مؤثرتين مركزهما طهران وأنقرة.

لكن، مقابل هذا التفاؤل بحزمة الأخبار السياسية السارة وفق زيارات الزعماء المتبادلة، من بمقدوره إخفاء أزمات الإقليم! هل يوجد بين المحللين من يمتلك مؤشرات مقنعة عن تراجع إيران عن استراتيجيتها السياسية في المنطقة. ومن يستطيع أن يتعهد لنا بأن الرئيس رجب طيب أردوغان على استعداد للتخلي عن النجاحات التي تحققت له لحد الآن، في بناء إمبراطورية تركية سواء بالقوة السياسية أو الناعمة من سوريا إلى ليبيا حتى أذربيجان.

من بإمكانه إقناع اليمنيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين بأن استقرار الإقليم بمشاركة إيران سيصب في مصلحتهم ويعيد لهم حياتهم المخطوفة من قبل الميليشيات.

لا أحد بالطبع قادر على تقديم الذرائع والمسوغات لتلك الشعوب التي ترزح في مآسيها وكانت أذرع إيران سببا رئيسيا فيها.

مع ذلك هناك ما يمكن أن يجيب به صناع السياسة في تلك الدول التي تعيد ترتيب المشهد الإقليمي بمشاركة إيران، بأنها تعمل وفق مصلحة شعوبها حصرا، وهذا حق سياسي مشروع ولا خلاف عليه. لكن هذا الكلام ليس سببا للتفاؤل بما يمكن أن نسميه الأخبار السارة، عند شعوب الدول التي تعيش نكباتها من العراق حتى اليمن.

قد يتغير أردوغان في انتخابات مقبلة، فتركيا بلد عظيم غير مستعد للتخلي عن تاريخه الأتاتوركي، لكن من فيكم قادر على التعبير عن ثقته بنظام ثيوقراطي كامن تحت عمامة الولي الفقيه في طهران؟ لا أحد من كل المتفائلين بإمكانه استخراج الملاك السياسي الحنون من تحت الجبة الإيرانية الخشنة.


شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …