By: Salvatore Negro
الشرق اليوم– تقف سوقا العمل البريطانية والأوروبية عند نقطة حرجة. إذ يتواصل صعود عدد الوظائف الشاغرة في المملكة المتحدة بشكل كبير، وسجل في أكتوبر (تشرين الأول) أعلى مستوى منذ بدأت السجلات قبل 20 سنة.
وعلى الرغم من ذلك، يُبلِّغ 69 في المئة من الشركات في أوروبا حالياً عن نواقص في المواهب. ويحدث هذا التناقض على صعيد الشواغر في وقت ضاعت أكثر من 140 مليون وظيفة بدوام كامل حول العالم، ويعاني أكثر من ثلاثة ملايين شخص تقل أعمارهم عن 25 سنة من البطالة حالياً. ويعبّر ذلك عن نواقص في المهارات تترك بالفعل آثاراً سلبية في إنتاجية الشركات الأوروبية وتنافسيتها.
ووفق تقرير “البطالة العالمية والتوقعات الاقتصادية” الأخير الصادر عن الأمم المتحدة، “عانت البلدان كلها تدهوراً حاداً في العمالة والدخل الوطني” خلال الجائحة التي فاقمت التفاوتات الموجودة، لا سيما في صفوف الشباب، وتخاطر بترك ندوب مستمرة بعيدة الأجل في ما يخص العاملين والشركات. وولّد ذلك “أزمة لا مثيل لها في سوق العمل” ستؤثر في سوق العمالة سنوات مقبلة.
والآن، مع تحذير “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” من أن المتحورة الجديدة من فيروس كورونا قد تؤدي إلى تداعيات عالمية حادة، يستدعي الأمر السؤال حول مدى تعويق “أوميكرون” التوظيف في الشركات، لا سيما في ظل موجة “الاستقالة الكبرى” [مغادرة عاملين سوق العمل بالاستقالة من وظائفهم].
من المؤكد أن الخطر كبير. لقد أعلن “مكتب الإحصاءات الوطنية” بالفعل عن عدد قياسي من الوظائف الشاغرة، يعود في شطر كبير منه إلى التداعيات الاقتصادية للجائحة. وفي حين يصف كثيرون ذلك بأنه ينشئ “سوقاً للمشترين”، تتلخص الحقيقة في أن فجوة المواهب تبقى واحدة من أهم التحديات الماثلة أمام الحكومات الأوروبية.
تعمل منظمة “جاي إي أوروبا” في 43 بلداً في أوروبا، وتُعرَف في المملكة المتحدة باسم “المشروع الشاب”. ومن تجربتنا، يتّجه جزء كبير من أوروبا نحو كارثة نقص المهارات الرقمية، إذ يعتقد أقل من نصف أصحاب العمل جميعاً بأن الشباب قد أكملوا تعليماً بدوام كامل بما يكفي لحصولهم على مهارات الأعمال والمعرفة الرقمية.
وكذلك تظهر البيانات أنه على الرغم من نقص المهارات الرقمية، لا نقص في المواهب. وتالياً، تُخفِقْ المجموعات العاطلة من العمل ببساطة في تلبية احتياجات أمكنة العمل، بسبب نقص الاستثمار في التدريب والارتقاء بالمهارات. وبالنسبة إلى الشركات والحكومات الأوروبية، تُعَد هذه المسألة مثيرة للقلق.
ويعاني أولئك الذين ينتمون إلى خلفية اجتماعية واقتصادية أدنى، مثلاً، من قيود كبيرة لجهة المشاركة الرقمية والمهارات التكنولوجية. ويرجع ذلك أساساً إلى عدم امتلاك الموارد المالية لشراء معدات تكنولوجيا المعلومات أو دفع اشتراكات مكلفة عبر الإنترنت. وأُبرِزت هذه المسائل في دراسة أجرتها أخيراً “جاي إي أوروبا” على نطاق أوروبا، بدعم من “مجموعة أن أن”، وتبين أن الجائحة أضرت أكثر بالآفاق المهنية للشباب الأكثر ضعفاً [في المهارات والمعرفة الرقميين].
وفي منحىً متصل، يأخذ عدد قليل جداً من أصحاب العمل هذه المسائل في الاعتبار أثناء عملية التوظيف، ما يؤدي إلى تفاقم الفجوة في المهارات الرقمية في سوق العمل. لذلك، في حين أن السؤال بسيط ويتمثّل في كيف سيكون باستطاعتنا إدخال مزيد من العاطلين من العمل إلى أمكنة العمل في المناخ الحالي؟ في المقابل، إن الإجابة متعددة الأوجه على غرار الأسباب [التي نشأت منها هذه الأزمة].
بالتالي، في استطاعتنا القول بأن الشركات في أنحاء أوروبا كلها، ومن الأحجام كلها، تحتاج إلى العمل في شكل أكثر فاعلية مع الوكالات الحكومية والمنظمات غير الربحية، بهدف وضع برامج تستهدف اللحاق بالركب، وبرامج للتدريب وإعداد مهارات جديدة، وضمانات للوظائف، بغية المساعدة في إعداد الموظفين الحاليين والمستقبليين لعالم العمل.
واستطراداً، ثمة عدد من الطرق التي تمكننا من تحقيق ذلك، وتشمل التدريب المباشر للعاطلين من العمل، وإشراك الموظفين المحتملين في التدريب والتوجيه، وتوظيف مسؤولين عن التنوع، وضمان الوصول إلى الفرص عبر الإنترنت وخارجها، سواء جرى ذلك عبر المعارض المهنية أو منظمات الباحثين عن عمل.
واستكمالاً، تحتاج الشركات إلى تبني ثقافة تعلّم، وإعطاء مجموعات العاطلين من العمل التوجيه الصحيح حول المجالات والقطاعات التي يكثر فيها الطلب على المهارات. ومن خلال اتخاذ تلك الخطوات حصراً، يمكننا تلبية الحاجات الموجودة في التصنيع والخدمات اللوجستية والبيانات والمعلومات والمبيعات والضيافة، التي يسعى إليها أصحاب العمل باستمرار وإلحاح.
وكخلاصة، فمع محاولة الشركات التي أنهكتها الجائحة الآن تقييم الأثر المحتمل للمتحورة “أوميكرون”، يبدو أن الاحتفاظ بالموظفين والحصول عليهم يشكلان أمرين مهمين. وكذلك تُعتبر المواهب عالمية، لكن الفرص ليست كذلك، وستكون الشركات التي تركز على خطط التوظيف الشاملة في وضع أقوى بكثير في مواجهة التحديات المستقبلية ومتغيرات “كوفيد” الجديدة.