بقلم: علي ابو حبلة – صحيفة “الدستور”
الشرق اليوم – تأخذ زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الجزائر حيزاً واسعاً من الاهتمام العربي والإقليمي الدولي، ليس في حد ذاتها وإنما لتوقيتها التي تسبق انعقاد القمة العربية المقرر انعقادها في الجزائر في آذار المقبل ويتطلع الفلسطينيون لمؤتمر القمة العربي باهتمام بالغ ويضعون ثقتهم في الرئيس الجزائري تبون الذي ترأس بلاده القمة العربية والتي يطلق عليها قمة فلسطين لدعم الموقف الفلسطيني في مواجهة الأخطار التي تتهدد القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني جراء مخطط تهويد القدس والتوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتدمير رؤيا الدولتين.
وقال وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي إن تبون شدد على أهمية زيارة نظيره الفلسطيني إلى الجزائر في هذا الوقت، موضحاً أن الأول ينوي التحدث إلى عباس حول القمة العربية التي ستعقد في الجزائر في مارس المقبل، والتنسيق على أن تكون القضية الفلسطينية هي الأولى على جدول أعمال القمة.
وكشف تبون أن بلاده قررت منح شيك بـ100 مليون دولار لدولة فلسطين، من دون توضيح طبيعة هذه المساعدة وإن كانت خارج المساهمة السنوية في دعم السلطة الفلسطينية أم لا.كما أعلن تخصيص 300 منحة دراسية في الجامعات الجزائرية لطلاب فلسطينيين.
والمتتبع للتاريخ يجد أن الجزائر من الدول العربية الداعمة للحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني وفي القول المشهور للرئيس الجزائري المرحوم هزاري بومدين «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة» وأثناء بدايات الاحتلال اليهودي لفلسطين والنشاط الصهيوني لانتزاع الأراضي الفلسطينية في مطلع القرن العشرين، كانت النخبة الجزائريَّة، رغم رضوخها تحت الاستعمار الفرنسي تؤكِّد دعم القضية الفلسطينية، وذلك ما يظهر في كتابات بعض المثقَّفين مثل الفنان محمد راسم، وجمعية العلماء المسلمين مثل عبد الحميد بن باديس، وبالخصوص البشير الإبراهيمي الذي كتب العديد من المقالات، وأسس تنظيمًا لدعم المقاومة الفلسطينية باسم «الهيئة العليا لإعانة فلسطين» في يونيو 1948م، بمشاركة كل من فرحات عبَّاس (التيار الليبرالي)، والطيب العقبي، وإبراهيم بيوض (تيار جمعية العلماء المسلمين).
وبالعودة لملف فلسطين والجزائر، فقد لعبت الجزائر دورًا سياسيًّا مهمًّا في دعم «منظمة التحرير الفلسطينية»؛ إذ ساعدتها في الحصول على اعتراف دولي، ومنحت رئيسها ياسر عرفات الفرصة لمخاطبة العالم لأوَّل مرة من منصَّة الأمم المتحدة، وذلك في ظلِّ ترأس عبد العزيز بوتفليقة للدورة التاسعة والعشرين لها. كما احتضنت الجزائر مؤتمر إعلان قيام دولة فلسطين في 15 نوفمبر سنة 1988م، وهو المؤتمر الذي كاد أن يجعلها تحت طائلة هجمات جويَّة من سلاح الجو الإسرائيلي.
وبعيدا عن التأويلات والاجتهادات إن الزيارة لها دلالاتها كونها تأتي في توقيت دقيق وحساس قبيل انعقاد القمة العربية في الجزائر، وهي تندرج في إطار العمل على توحيد الجهود العربية وتكوين موقف عربي قوي موحد ضد المحاولات الدائمة لطمس القضية الفلسطينية في ظل الصعوبات والمخاطر التي تنهدها، وخاصة أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية متوقفة منذ 2014، وتنصّل حكومة الاحتلال الصهيوني من خيار حل الدولتين المستند إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وهي تأتي بعد اعتماد قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس بغالبية 129 صوتاً، يرفض أي إجراءات أو قوانين تقوم إسرائيل بسنّها لتغيير طابع المدينة والوضع القانوني والتاريخ القائم. والجزائر تلعب دور هام ومحوري في القضايا العربية كافة وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بوجه الخصوص بدعم القضية الفلسطينية.
واكتسبت الزيارة للرئيس محمود عباس للجزائر مغزى، فقد وصف البيان الرسمي الجزائري الزيارة بأنها زيارة دولة، وهذا يبرز المعنى الدبلوماسي الأكبر على مستوى العلاقات الثنائية، في اللقاء مع رئيس شرعي لدولة فلسطين، والرئيس محمود عباس يرى في الجزائر عنصر قوة في دعم القضية الفلسطينية في ظل الإستراتيجية الجديدة التي أعلنها الرئيس عبد المجيد تبون بهدف إحياء الدور الجزائري إقليمياً ودولياً.
وقد أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اعتزام بلاده استضافة مؤتمر «جامع» للفصائل الفلسطينية «قريبا». جاء ذلك خلال حديثه في مؤتمر صحافي، عقب استقباله نظيره الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة بالجزائر العاصمة. ونقلت قناة «الجزائر الدولية» (حكومية) عن تبون قوله بعد مباحثاتهما: «قررنا استضافة ندوة جامعة للفصائل الفلسطينية قريبا» من دون تحديد تاريخ.، وأضاف أن هذه الخطوة جاءت بعد أخذ رأي الرئيس عباس.
والموقف الجزائري يأتي في سياق محاولته لتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام قبيل انعقاد القمة العربية المقرر انعقادها في آذار المقبل لتعزيز الموقف الفلسطيني في مؤتمر القمة، ومع الإجراءات الإسرائيلية التعسفية وتنكر حكومة الاحتلال الصهيوني للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، تتصاعد دعوات إلى ضرورة إنجاز مصالحة فلسطينية داخلية تقود لحكومة وحدة وطنية لتوحيد الجغرافية الفلسطينية وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير وترتيب البيت الفلسطيني تمهد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني.