بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- ربما اعتقد قادة تنظيم “داعش” أن إقليم كردستان العراقي منطقة هشاشة أمنية، وأنه بإمكان التنظيم إعادة تنظيم صفوفه من هناك واستئناف عملياته الإرهابية انطلاقاً من مدنه وبلداته، لكن هذا النوع من التفكير إنما يعكس ضآلة خيارات التنظيم وقلة حيلته، أكثر مما يوحي بالقدرة على قراءة الوقائع على الأرض والتخطيط السليم تبعاً لذلك.
فهذا تنظيم مقطوع الرأس، ممزق الأوصال، ويتخبط في يأسه ويتجرع هزائمه الماحقة وسقوطه المدوي. وإقليم كردستان العراق ليس منطقة هشاشة ولن يكون البقعة التي تسمح بإعادة توطين الإرهاب على أرض العراق. فأهالي هذه المنطقة لطالما عانوا وحشية الجماعة الإرهابية ومجازرها المروعة.
لقد زرع هذا التنظيم الكراهية في كل القلوب، وبينما كان التنظيم يعيش ذروة سطوته، كان العراقيون يخططون ليوم القصاص العادل القادم لا محالة.
وفي الأسبوع الماضي نفذ الإرهابيون واحداً من اعتداءاتهم المتنقلة بين محافظتي أربيل ونينوى. وراح ضحية الاعتداء ثلاثة مدنيين هم أبناء مختار القرية، وتراوح أعمارهم بين 11 و24 عاماً، إضافة إلى عدد من جنود “البيشمركة” الذين اشتبكوا مع المسلحين الذين هاجموا القرية. هذا الاعتداء الذي وقع في قرية نائية لم يتسبب في حالة من الذعر، كما كان يخطط له، لكنه حفّز استجابة فورية باتجاه تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين الجيش الاتحادي العراقي وقوات الإقليم.
لقد اكتسب أهالي كردستان، كما هو حال جميع العراقيين، الحصانة اللازمة من التأثيرات المعنوية السلبية لعمليات الإرهاب الدموية الهادفة إلى بث الذعر وإضعاف الثقة، وتوسيع نطاق الفوضى المجتمعية. كما اكتسب العراقيون بشكل عام خبرات عميقة في وسائل مواجهة الجماعات الإرهابية وهزيمة مخططاتها ودعاياتها، عبر حربهم البطولية والطويلة والباسلة التي تكللت بردع جيوش الظلاميين، واستعادة مسارات الحياة الطبيعية في المدن والقرى والبلدات.
والواقع يقول إن الهجمات المتفرقة التي تشنها خلايا التنظيم، تصبح أضعف بكثير مما كانت عليه الأمور في السابق، وإن حجم الحركة التنظيمية للعناصر الإرهابية على الأرض العراقية تتضاءل باستمرار وتصبح مكشوفة أكثر، والمحصلة التي تظهر واضحة اليوم هي أن تنظيم “داعش” وعملياته ودعايته تحولت في مجملها إلى عامل ثانوي في المشهد العراقي الذي يتقدم تقدماً حثيثاً باتجاه الاستقرار.
لم يعد الإرهاب تحدياً يستدعي حشد الجيوش والموارد الهائلة، فقد تحول “داعش” الذي كان عديده بالآلاف مع مستودعات الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، والأموال الطائلة والموارد الأخرى، إلى خلايا صغيرة هاربة ومذعورة تطاردها القوات الأمنية، والوعي الشعبي صاحب المصلحة في القضاء على خطرها والتخلص من شرورها.
ومثل هذه الخلايا لن تختفي بشكل مفاجئ. ستظل موجودة وتتحرك تدفعها أحقاد دفينة لإلحاق الأذى بالأبرياء، لكن نطاق عملها سيضيق أكثر فأكثر. ومع مرور الوقت ستتقلص في نهاية الأمر إلى نوع آخر من أنواع العصابات الإجرامية التي تعيش على هامش الحياة، مثلها مثل عصابات اللصوص العاديين الذين تطاردهم الشرطة وأفراد المجتمع، ومثل المتسولين ومهربي المخدرات والمتورطين في أنشطة يعاقب عليها القانون.