الرئيسية / مقالات رأي / نافـذة من موسـكو.. هل يريد بوتين غزو أوكرانيا؟

نافـذة من موسـكو.. هل يريد بوتين غزو أوكرانيا؟

بقلم: فالح الحمراني – المدى العراقية

الشرق اليوم- صعد الغرب في الفترة الأخيرة حملته بزعم وجود خطط لدى روسيا لغزو أوكرانيا وانتزاع أراضيها، وقالت الولايات المتحدة إن لديها معطيات على تحشيد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، وتقول روسيا إن قواتها المسلحة منتشرة في إطار حدودها الوطنية، وأنها كدولة مستقلة وذات سيادة، تتمتع بحق نشر ونقل قواتها المسلحة في أراضيها، وفقا لمقتضيات أمنها الوطني.

وتنظر موسكو بعيون الشك إلى نوايا الغرب، وخطابه التحذيري بزعم التحرش بأوكرانيا، وترصد وجود خطط لدفع النظام الأوكراني للتورط في مواجهة عسكرية مع روسيا الإتحادية، لتحقيق أهدافه الجيوبوليتيكية وإثارة ما يسمى بالفوضى الخلاقة، وتبرهن على ذلك بتكثيف الغرب توريدات الأسلحة الحديثة الدفاعية والهجومية لكييف، بما ذلك الطائرات من دون طيار، وتحشيد قوات الناتو على تخوم روسيا في البحر الأسود وجمهوريات البلطيق، وثمة دلائل لدى موسكو من أن القوات العسكرية الأوكرانية تحضر لشن غزو جمهورتي دونيتسك ولوغانسك ذات الأغلبية الروسية، اللتان أعلنتا الاستقلال من جانب واحد. وتؤكد أنها مستعدة لتوظيف نفوذها للعب دور إيجابي في تسوية النزاع بين كييف والجمهوريتيين، ولكن ليس كطرف نزاع، ولن تدخل مع كييف في حوار حوله، وأن على القيادة الأوكرانية التفاوض بصورة مباشرة مع قيادات الجمهوريتين الانفصاليتين ، وعلى أساس معاهدة مينسك الموقعة بين الأطراف بضمانات روسيا وألمانيا وفرنسا.

وثمة هواجس لدى روسيا من وجود خطط لضم أوكراينا (وكذلك جورجيا ) إلى حلف الناتو، أو تكون مصدر خطر يهدد الأمن الوطني الروسي، ولهذا ربما تسعى موسكو للاتفاق على أن تكون أوكرانيا خارج التحالفات العسكرية ولن تشارك بضمانات دولية في خطط الغرب العدوانية الهادفة لعرقلة روسيا من مواصلة تطويرها ونهوضها الاقتصادي والعلمي التقني، والحفاظ على مواقعها التقليدية ومناطق نفوذها الحيوية. ويرى الغرب، كما كتب زيغينو بريجينسكي في كتابه الشهير ” رقعة الشطرنج الكبرى”: إن أوكرانيا في المواجهة مع روسيا، هي من الدول التي تستحق الدعم الجيوبوليتكي الأقوى من جانب أمريكا، موضحا ” يعزز دور كييف في الواقع، الراي القائل، بأن أوكرانيا هي الدولة الحاسمة فيما يتعلق بالتطور المستقبلي لروسيا”. وكتبت وكالة انباء بلومبرج مؤخرا نقلا عن مصادرها المطلعة، أن الولايات المتحدة حذرت حلفائها الأوروبيين في الناتو من أن القوات الروسية تتجمع على الحدود مع أوكرانيا.

فهل لدى روسيا فعلا خطة غزو واسع النطاق لأوكرانيا ، أم أنها بعض قصص الرعب المنتظمة التي يثيرها الغرب؟. وهناك سؤال للرد على ذلك: “لماذا يحتاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزو أوكرانيا؟” فالرئيس بوتين يؤكد أن منطقة دونباس، حيث تقع الجمهوريتان الانفصالتيان، جزء لا يتجزء من أوكرانيا. ويرى أن تسوية هذه المشكلة مرتبطة بالتنفيذ الثابت والكامل لاتفاقيات مينسك التي ترسم خطوات التسوية. وتدعو موسكو كل من ألمانيا وفرنسا إلى استثمار علاقاتهما باوكرانيا للتأثير على كييف حتى تبدأ المفاوضات مع ممثلي دانسك ولوغانسك.

هذا هو الإطار الذي كان ساري المفعول منذ 2014 ، العام الذي انضمت فيه شبه جزيرة القرم لروسيا الإتحادية. ومنطقيا ان غزو أوكرانيا يجهض هذا الموقف. ولم يتضمن خطاب الرئيس الروسي التهديد بالغزو سواء بشكل علني او مبطن، بل يقول إنه يجب تنفيذ اتفاقيات مينسك. وإذا قام بالغزو، فهذه يعني دفن اتفاقيات مينسك. وليس ثمة دوافع تدعو القيادة الروسية لرمي ورقة الشرعية الدولية، المتمثلة باتفاقيات مينسك، التي تراها افضل خطة طريق للتسوية . وليس ثمة فائدة من هذا التغيير الجذري لموقف روسيا ، وتؤكد موسكو: “نحن طرف في عملية نورماندي ( للوساطة الدولية في التسوية) مثل فرنسا وألمانيا: ونحن نراقب. وينبغي أن تكون موضوعات عملية التفاوض بين كييف ودونيتسك ولوغانسك “. وبعد ذلك يجب أن تكون موسكو جزءا من عملية التفاوض مع كييف حول شروط كيفية الخروج الأزمة. وليس ثمة دوافع تجعل الغزو مفيدا او مثيراً للاهتمام لروسيا.

ويربط العديد من المراقبين حملة الغرب عن غزو روسي مزعوم، وإثارة المخاوف من تداعياته، بهدف إيجاد مبررات لتكثيف توريد الأسلحة لأوكرانيا. وإذا استمر التصعيد حول الغزو الروسي ، فيمكن اتخاذ عدد من القرارات التي من شأنها توسيع نطاق صادرات ونوعية الأسلحة التي يمكن للغرب تزويد أوكرانيا بها، وحتى بدون انضمامها إلى حلف الناتو، ويمكن تعزيزها بمستشارين، وقوات شركات أمنية غير حكومية.

ونوقشت قضية أوكرانيا في المحادثات بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين التي جرت مؤخرا في ستوكهولم. لكن نتائج هذا الحوار لم تلق بالمزيد من الوضوح على المسالة. وعقدت المحادثات التي استمرت نحو 40 دقيقة على هامش اجتماعات المجلس الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، في صيغة مغلقة أمام الصحافة. وربما خلق هذا الانغلاق عن الرأي العام الواسع، شائعات مختلفة مفادها أن العالم بشكل عام على وشك الانهيار. وإن أوكرانيا هي محور الخلاف في هذا الوضع. وأفادت بعض وكالات الأنباء أن وزير الخارجية الأمريكي أبلغ نظيره الروسي بصراحة أن موسكو تقوم بحشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا من أجل مهاجمتها على حين غفلة. وفي حال تطور الاحداث على هذه الشاكلة، فإن روسيا ستواجه عقوبات شديدة للغاية.

من جانبه ، أكد سيرجي لافروف أن روسيا لن تسمح بمزيد من التوسع لحلف شمال الأطلسي نحو الشرق ، وضم اوكرانيا إلى صفوفه. واتهم حلف الناتو، الذي يتجاهل في السنوات الأخيرة المصالح الروسية ، بتقديم مساعدة عسكرية كثيفة إلى كييف. وحسب وكاللات الانباء فان وزيري البلدين ناقشا بلهجة حاد ” تلبد الغيوم بشكل قاتم على الحدود الروسية / الاوكرانية” ، واحتدام التوتر بين موسكو وكييف الذي تم تضخيمه مؤخرا بما في ذلك في وسائل الإعلام الروسية.

وخرجت صحيفة “موسكوفسكي كومسموليتس” الصادرة في موسكو بانطباع مفاده : إذا لم يهدأ الوضع في الأيام المقبلة، فستواجه المنطقة مشاهد كابوسية من المواجهة العسكرية. ونقلت بهذا الصدد عن عالم السياسة المعروف أليكسي ماكاركين رأيه عن مدى واقعية مثل هذا السيناريو لتطور الأحداث. فأجاب: “إن انعقاد الاجتماع في ستوكهولم يشير إلى أن الشكل الدبلوماسي للمفاوضات قيد التنفيذ”. وأضاف : من المعروف إن قمة ستعقد هذا الشهر عبر الإنترنت بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة. وستتم خلالها من بين قضايا أخرى مناقشة أوكرانيا، وكذلك القضايا الاستراتيجية الأخرى للعلاقات بين البلدين . وبشكل عام نرى أن خيار الحوار قيد التنفيذ. هناك بالفعل تسريبات للمعلومات تفيد بأنه في حالة عقد القمة عبر الإنترنت بنجاح ، فقد يتم عقد اجتماع مباشر لزعماء بلداننا في النصف الأول من العام المقبل.

وعن الشوط الذي يمكن أن يمضي فيه الناتو في الدفاع عن أوكرانيا، بالرغم من عدم وجود التزامات لديه تجاه أوكرانيا لحماية مصالحها. والأكثر من ذلك أن يتدخل في نزاع مسلح اقليمي، بقواته المسلحة. وإمكانية هذا مثل هذا السيناريو، أوضح أليكسي ماكاركين: تتقدم عملية التفاوض مما يغرس بعض الثقة في حل النزاع.. وفي رأيه،: إن الاجتماع في ستوكهولم هو ، إن لم يكن خطوة مباشرة نحو نزع فتيل التوترات ، فهو بالتأكيد خطوة نحو مواصلة واستمرار المفاوضات. و” هذا مهم جدًا لنا جميعا”.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …