الرئيسية / مقالات رأي / خلفيات التوتر بين واشنطن وموسكو

خلفيات التوتر بين واشنطن وموسكو

بقلم: ناصر زيدان – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- إعلان السفير الروسي في واشنطن اناتولي انطونوف، أن الخارجية الأمريكية أبلغت 27 دبلوماسياً روسياً بضرورة مغادرة البلاد مع عائلاتهم قبل نهاية الشهر الحالي، ردت عليه الخارجية الروسية بطرد 30 دبلوماسياً أمريكياً من الذين أمضوا أكثر من ثلاث سنوات في عملهم في موسكو، على أن يغادروا الأراضي الروسية قبل نهاية العام الحالي أيضاً، لكن انطونوف أشار إلى أن حواراً إيجابياً قائماً بين البلدين حول القضايا المتعلقة بالأمن السيبراني، وهناك تواصل قائم بين سكرتير مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان، والاتصالات مكثفة بين البلدين حول ملفات إقليمية ساخنة، ومنها حول الوضع في أفغانستان وسوريا وكوريا الشمالية، وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

تقول واشنطن إن بعض الأنشطة التي يقوم بها دبلوماسيون روس في الولايات المتحدة تتعارض مع مهامهم المصرّح عنها، كما أن العديد من أعضاء الكونجرس ومنهم رئيس لجنة الخارجية بوب منينديز ورئيس لجنة المخابرات مارك وارنر؛ طالبوا الخارجية الأمريكية بطرد أكثر من 300 دبلوماسي روسي، لأن موسكو منعت سفارة الولايات المتحدة من الاستمرار في تشغيل 182 موظفاً وعشرات المتعاقدين الذين يحملون الجنسية الروسية، أو ينتمون إلى دولة ثالثة، ما أعاق عمل السفارة وشلّ الأعمال القنصلية الأمريكية في روسيا. بينما عدد الدبلوماسيين الروس في الولايات المتحدة يتجاوز 400 شخص.

يبدو واضحاً أن المُعلن عن أسباب الأزمة الدبلوماسية المستجدة بين الدولتين الكبيرتين ليس كل الحقيقة، والتوازن العددي لأفراد طاقم السفارتين لم يكن سبباً لتوتر سياسي، حتى أيام حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. وتقول مصادر متابعة للأزمة المستجدة إن قرار واشنطن توقيف منح التأشيرات من قنصليتها في موسكو ونقل المهمة إلى سفارتها في وارسو، لا تبرره المضايقات الإدارية التي فرضتها روسيا على طاقم القنصلية الأمريكية، وهو بالتأكيد يحمل خلفيات سياسية أخرى.

التوتر الأخير بين موسكو وواشنطن ظهر إلى العلن من خلال تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة نجاح التجربة التي قام بها الجيش الروسي على الصواريخ الذكية التي تزيد سرعتها عن سرعة الصوت والتي أطلقت من مدمرة روسية راسية في البحر الأبيض المتوسط لمسافة 400 كلم. وقال بوتين إن كل الخيارات متاحة أمام موسكو إذا لم تقدم الولايات المتحدة وحلف الأطلسي ضمانات لبلاده عن توقف السعي للتمدد شرقاً والاقتراب من أراضي روسيا أكثر فأكثر، بما في ذلك الخيارات النووية. وأشار إلى أن الصواريخ الجديدة من نوع “تسيركون” لا يمكن اعتراضها، كما لا تلتقطها رادارات الرصد الأطلسية. ومن الواضح أن سياسة الأطلسي في توسيع انتشاره في دول أوروبا الشرقية، وخصوصاً في أوكرانيا يثير قلق موسكو.

الولايات المتحدة تقول إن روسيا تحشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال إن موسكو تُحضر لانقلاب ضده بالتعاون مع مجموعات موالية لها في شرقي البلاد. والرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته انطوني بلينكن حذرا موسكو من “ارتكاب أية حماقة في أوكرانيا”، وهو ما سيؤدي إلى تعقيد الوضع، وربما تنتج عنه ردود خطِرة غير متوقعة. بينما موسكو تعتبر أن الحديث عن حشود عسكرية روسية على الحدود مع أوكرانيا “دعاية إعلامية”، ولا يوجد أن نوايا لديها بالدخول إلى أوكرانيا، وهذا لا يعني على الإطلاق أن الأزمة بين المعارضة الأوكرانية وحكومة زيلينسكي قد انتهت، وموسكو لا تتخلى عن أصدقائها في شرقي أوكرانيا إذا ما تعرّضوا لأي عدوان خارجي.

من الواضح أيضاً أن لبدء تشغيل خط “نورد ستريم – 2” علاقة بالتوتر القائم، لأن أوكرانيا ستخسر ما يقارب ملياري دولار سنوياً من العائدات التي كانت تحصل عليها من رسوم مرور الغاز الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا، على الرغم من أن ألمانيا تعهدت لكييف ولواشنطن بأنها ستعمل بقوة مع موسكو على تجديد عقد مرور الغاز الروسي عبر أوكرانيا الذي ينتهي في عام 2024. وفرنسا وألمانيا لا يروق لهما إضعاف أوكرانيا في هذه اللحظة السياسية الأوروبية، لأنها ستقع فريسة بين أيدي الروس من جديد، لأن الترابط بين الاقتصاد الأوكراني والاقتصاد الروسي قديم، وغالبية من الشعب الأوكراني بدأت تتناسى الخلاف القائم بين الدولتين حول جزيرة القرم التي أعادت ضمها روسيا عام 2014.

يبدو أن الخلافات السياسية والاستراتيجية هي التي تقف وراء الخلاف الدبلوماسي الأخير بين واشنطن وموسكو، وليس المشكلات القنصلية المستجدة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …