By: Samir Bennis
الشرق اليوم – إن الانتخابات المتسرعة في ليبيا لن تجلب السلام، وهوس الأمم المتحدة بهذه الانتخابات على حساب القضايا الحقيقية في البلاد يجعل الصراع وعدم الاستقرار أكثر احتمالا.
وبدلا من السعي إلى معالجة المواقف غير القابلة للتوفيق لمختلف أصحاب المصلحة الليبيين، والقضايا العالقة التي تهدد بتفكيك العملية السياسية الحالية، وإغراق البلاد في فترة أخرى من الفوضى، فإن المؤتمرات التي عُقدت أخيرا في باريس وطرابلس، وأكدت ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري كانت مجرد دبلوماسية سطحية. فمن اللافت للنظر أن الإعلان عن إمكانية ترشح سيف الإسلام القذافي، والجنرال خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح لم ينل الاهتمام اللازم من المجتمع الدولي، رغم أن ذلك من شأنه أن يقوّض العملية السلمية الجارية في ليبيا.
إن مؤتمر باريس 12 نوفمبر/تشرين الثاني وفر نافذة للتعرف على أحد العوامل الرئيسة التي قوّضت منذ مدة طويلة الدبلوماسية المتعددة الأطراف التي تقودها الأمم المتحدة، وهو الاعتقاد الراسخ بأن إجراء الانتخابات هو الدواء الشافي والهدف في حد ذاته، وليس وسيلة لتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق انتقال سلس ومنظم.
كما أن الدعوات المؤكدة ولكن الفارغة لإجراء انتخابات هي السبب الأساسي لوجود المجتمع الدولي غير الفعال على نحو متزايد كلما واجه حالات عدم الاستقرار السياسي في ليبيا، حيث تعدّ الانتخابات هي الحل، بغض النظر عما إذا كانت الظروف السياسية والاجتماعية والقانونية مواتية لضمان انتقال مستقر.
إن المجتمع الدولي، مع هوسه بضرورة إجراء الانتخابات، يتجاهل العقبات القانونية والدستورية التي تقف في طريق إجراء انتخابات حرة ونزيهة حقا.
وفي تفاصيل العقبات التي تمنع السلام في ليبيا، فما من شيء أُنجز لمعالجة العداء العميق الجذور بين غرب ليبيا وشرقها، ولم يُحسم الجدل الدائر بشأن إصدار عقيلة صالح من جانب واحد قانون الانتخابات بمرسوم، لا يحظى بموافقة مجلس النواب ولا بموافقة المجلس الأعلى للدولة، وذلك يتعارض مع أحكام الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، ويسمح لشاغلي المناصب العسكرية والمدنية بالتنحي أثناء ترشحهم للمنصب مع إمكانية العودة إلى مناصبهم عند خسارتهم.
كذلك يوجد 20 ألفا من القوات الأجنبية والمرتزقة يجوبون البلاد في دولة لا يستطيع رئيس وزرائها المؤقت السفر من الغرب إلى الشرق بسبب هذا الوجود.
الأمم المتحدة كانت لديها ذات مرة فرصة واقعية لتحقيق تقدم ملموس، لكنها أخفقت في البناء على الزخم الذي أوجدته سلسلة الاجتماعات التي عقدها ممثلو مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس في الخريف الماضي، وألقت بثقلها وراء إجراء الانتخابات من دون العمل على تهيئة الظروف المناسبة لها.
وعلى الأمم المتحدة أن تسأل: ما الهدف من عقد العديد من المؤتمرات الدولية إذا لم تُنفّذ نتائجها بالكامل؟ وما المصداقية المتبقية للأمم المتحدة إذا سمحت للأطراف السيئة بالمشاركة في عملية هم من خربها بالفعل، وإذا ظلت قرارات مجلس الأمن، حتى تلك التي تم تبنّيها بموجب الفصل السابع، حبرا على ورق؟
كما أن المنافسة داخل حلف شمال الأطلسي وداخل أوروبا، كما يتضح من انخراط فرنسا وإيطاليا على جبهات متعارضة في الصراع، تعني أن الغرب لا يمكنه مطالبة القوى الأجنبية الأخرى بالخروج من ليبيا في حين يلعب بعض أعضائه دورا مركزيا في إطالة أمد الحرب.
إن الحكومة الفرنسية تتمتع بسجل حافل في تزويد حفتر بالأسلحة والاستخبارات والتدريب منتهكة حظر الأسلحة الأممي، ولذلك ما كان لها أن تظهر في دور وسيط سلام في ليبيا.
كما أن إخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا من شأنه أن يقطع شوطا طويلا في حرمان حفتر وحلفائه من نفوذ حاسم، ولن يترك لهم أي خيار سوى الالتزام بتسوية سياسية، وهذا يمكن أن يمهد الطريق نحو ما يشبه المصالحة بين الشرق والغرب، وهو شرط أساسي لضمان عدم عودة البلاد إلى الصراع المسلح.
ترجمة: الجزيرة