افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يكن لبنان بحاجة إلى أزمة جديدة تضاف إلى أزماته الكثيرة التي تتراكم كل يوم، وباتت تثقل كاهل الشعب اللبناني الذي غرق في الجوع والفقر، من جراء وقوعه بين أنياب الطوائف، الذين حوّلوه إلى مغارة لفقهاء التبرير وأبالسة المال، كما جعلوا من الطوائف غطاء لجشعهم من خلال إثارة كل نوازع التعصب للحؤول دون قيام مواطن ينتمي إلى وطن، لأنهم حولوا قسماً كبيراً من اللبنانيين إلى طوائف هائجة تلهج بحمد زعمائها.
كم هي عبقرية هذه الطغمة في فن ممارسة الالتفاف على كل ما هو أخلاقي ووطني، إلى حد القدرة على إجهاض أي تحرك شعبي يرفع الصوت بالتغيير، أو الحد الأدنى من الإصلاح الذي يغطي نظاماً طائفياً لم يترك لشعبه إلا السعي للارتزاق بعدما أفلسوه وجعلوه يبحث عن رغيف الخبز والدواء لتغطية كلفة ما يسمى «البطاقة التمويلية» لإعالة آلاف العائلات التي تتضور جوعاً.
أجل، لم يكن لبنان بحاجة إلى أزمة جديدة تثير غضب دول عربية شقيقة، فيما هو غارق في أزمات لا قدرة له على تحملها. كان من الأفضل له أن يبدأ بمعالجة ما يمكن علاجه من أزمات الفساد وسوء الإدارة ونهب المال والتحقيق الشفاف في كارثة انفجار مرفأ بيروت العام 2020 التي خلفت 219 ضحية وأكثر من 6500 مصاب، إضافة إلى الدمار الذي طال القسم الأكبر من العاصمة.
لبنان الذي عرفناه لم يعد قائماً، هو يتلاشى. وإذا كانت الطبقة السياسية والطائفية إياها تتحمل المسؤولية فإن الشعب اللبناني مسؤول بنفس القدر وأكثر، فكيف له أن يثور في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 احتجاجاً على زيادة ما يقدر خمسة بنسات على تعرفة المكالمات الهاتفية، ولا يثور من أجل رغيف خبز لا يجده، ودواء يفتقده، وجوع يضرب أطنابه، وبطالة بلغت أكثر من خمسين في المئة، وليرة لبنانية لم يعد لها قيمة، ومرتب لا يكفي لخمسة أيام.
ألا يدعو ذلك إلى العجب من شعب يثور من أجل خمسة بنسات ولا يثور من أجل حقه في الحياة التي يفتقدها؟ هل تم تخديره بالطائفية التي صارت ملاذاً بدل الوطن، أم أنه تعب وفقد الأمل، أم أنه حسب أحد المسؤولين «الشعب اللبناني يتعوّد»؟
هناك رهان الآن على أن استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي بسبب تصريحاته المسيئة لدول الخليج، قد تزيل أزمة مستجدة لم يكن لبنان بحاجة إليها، وتفتح الباب أمام استئناف عمل الحكومة، ومعالجة إشكالية العلاقة مع الأشقاء العرب، من منطلق علاقات لبنان التاريخية مع الدول العربية باعتباره عربي الهوية والانتماء.
لكن سيبقى جرح لبنان مفتوحاً ما دام نظامه الطائفي لا ينتج إلا طبقة طائفية تتقاسم المناصب والغنائم والفساد ونهب المال العام.