الرئيسية / مقالات رأي / التضخم على جانبي الأطلسي

التضخم على جانبي الأطلسي

بقلم: بول كروجمان – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- أعلنت وكالة “يوروستات” الأوروبية للإحصاء، قبيل نهاية شهر نوفمبر المنصرم، تقديرها “الأولي” لتضخم شهر نوفمبر بمنطقة اليورو. وجاءت الأرقام أعلى بكثير من التوقعات مسجلةً زيادرة في الأسعار بلغت 4.9% على مدار العام الماضي.

لكن هذا أقل من نسبة التضخم الأمريكي. ففي أكتوبر، ارتفعت أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة 6.2% على مدار العام. والاختلافات الفنية تقلل فيما يبدو من شأن الفارق بين الولايات المتحدة وأوروبا. وإذا استخدمنا مؤشراً أوروبي النمط لحساب التضخم الأمريكي على مدار العام الماضي، لبلغ 7.3%. والآن، يمثل التضخم لعام واحد معياراً إشكالياً في الوقت الحالي، لأن أسعاراً كثيرة انكمشت مؤقتاً بسبب الجائحة. ويروق لكثير من المعلقين التركيز على ارتفاعات الأسعار على مدار عامين لتفادي هذه المشكلة. لكن حين يقوم المرء بهذا، يظل الفارق بين الولايات المتحدة وأوروبا كبيراً. هل التضخم الأقل -وإنْ ظل مرتفعاً- في أوروبا يخبرنا بشيء عن التضخم لدينا في أمريكا؟ جادل عدد من المعلقين أن الاختلاف يُظهر أن العجز في الميزانية، وهو أكبر في الولايات المتحدة، سبب رئيسي في التضخم.

وعلى سبيل المثال، جعل “جيسون فورمان”، الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي القومي في عهد الرئيس باراك أوباما، التفاوت بين أوروبا والولايات المتحدة في محور حجته التي مفادها أن خطة الإنقاذ الأمريكية تتحمل مسؤولية كبيرة في التضخم الحالي. وربما يكون محقاً. لكني جادلت بأن حجة التضخم المسبب لعجز في الميزانية أضعف مما تبدو عليه للوهلة الأولى وأن تفاصيل القصة الأمريكية لا تلائم هذه الحجة. فماذا عن تفاصيل الحجة المستندة إلى الاختلافات في التضخم على جانبي الأطلسي؟ إنني أرى مشكلتين ونصفاً في التأكيد على التضخم المنخفض نسبياً في أوروبا. ونصف المشكلة هي أن القصة ربما تتغير.

والبيانات التي نُشرت في الأيام الأخيرة من نوفمبر المنصرم، تقدم لمحة على الأقل أن التضخم في أوروبا بدأ يلحق بالتضخم الأمريكي المرتفع. والمشكلة الأكبر هي أن الاختلاف على جانبي الأطلسي في السياسة المالية ليس كبيراً، كما يؤكد كثيرون من الناس. ولا يريد المرء المقارنة ببساطة بين العجزين في الميزانية. فقد دخلت الولايات المتحدة الجائحة ولديها عجز في الميزانية أكبر بكثير من أوروبا. والمهم في الأمر هو التغير في الميزانية، أو بتحديد أكثر التغير في العجز “الهيكلي”، أي تعديله ليأخذ في الاعتبار عوامل اقتصادية لا تتعلق بالسياسة. وهنا يصبح الاختلاف بين أمريكا ومنطقة اليورو أقل تفاوتاً بكثير، نحو 6 نقاط تحفيز في أمريكا مقابل 4 نقاط تحفيز في منطقة اليورو. والمشكلة الثانية، وهي القضية التي أكدت عليها في عمود سابق، وأقصد أن السياسة المالية ليست بحال من الأحوال الاختلاف الوحيد بين الولايات المتحدة وأوروبا.

الاختلاف المحوري الآخر هو أن سياسة التوظيف الأوروبية أكثر نجاحاً بكثير فيما يبدو عن السياسة المتبعة لدينا في إبقاء العمال مرتبطين بسوق العمل. فلا يوجد مقابل أوروبي لما عرف بـ “الاستقالة الكبرى” في الولايات المتحدة. فقد عاد العمال الأوروبيون بشكل كامل وبدرجات متفاوتة إلى قوة العمل، بينما بقي كثيرون من الأمريكيين يحجمون عن العودة إلى العمل. ونتيجة لهذا، تشهد أوروبا نقصاً أقل في الأيدي العاملة، ومن ثم، اختناقات أقل مما لدينا من تلك التي تدفع إلى التضخم. وربما النقطة الأهم هي أن السؤال عن سبب التضخم الحالي ليس هو في الواقع السؤال الذي نحتاج الإجابة عليه.

ما نريد معرفته هو ما سيحدث بعد ذلك، بل الأهم هو ما يجب علينا القيام به بعد ذلك. فالتوسع المالي في وقت مبكر من عام 2021، ينحسر في صورة المرآة التي ترصد ما خلفنا. فهل سيتراجع التضخم أيضاً، أم يتعين على بنك الاحتياط الاتحادي والبنك المركزي الأوروبي زيادة أسعار الفائدة لكبح التضخم في الاقتصاديات التي يشرف عليها؟ لا أعتقد أن الإجابة على أي من السؤالين واضحة حتى الآن، وخاصة مع ظهور متحور “أوميكرون” الذي يضيف المزيد من عدم اليقين. وفي الوقت الذي كتبت فيه هذه السطور، انخفض سعر النفط نحو 20% عن مستواه السابق في نوفمبر المنصرم، فكيف سيشعر الناس بالتضخم إذا انخفض سعر البنزين 40 سنتاً للجالون، مثلاً؟ لكني ما زلت أشيد باستخدام الاختلاف بين أوروبا والولايات المتحدة كأداة لفهم موقفنا الحالي، وما سيكون عليه في المستقبل.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …