بقلم: محمد الشاذلي – الأهرام المصرية
الشرق اليوم- تتعقد قضية المياه في الدول العربية بشكل يدعو إلى القلق، والتعقيدات التي تغذيها دول الجوار العربي هائلة من تركيا مع كل من العراق وسوريا، وإسرائيل مع الأردن، وإثيوبيا ضد مصر والسودان، وقبل نحو أسبوعين التأمت بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة أعمال الدورة (13) للمجلس الوزاري العربي للمياه، لمناقشة الخطة التنفيذية لإستراتيجية الأمن المائي العربي.
ودعا الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط إلى الانتباه وبذل مزيد من الجهد في بناء السياسات المائية العربية، واستغلال فرصة عقد قمة المناخ لعام 2022 في مصر، وكذلك احتمالية عقد القمة التالية لعام 2023 في الإمارات، لتسليط الضوء على القضايا البيئية العربية، ومنها الوضع المائي العربي بكل تعقيداته..
ورغم وضوح الأرقام المخيفة لندرة المياه العربية، وزحف التصحر، واستمرار مواسم الجفاف لفترات أطول، وتراجع المعدلات السنوية لهطول الأمطار، وجفاف بعض الأنهار، وتراجع كميات المياه الجوفية غير المتجددة، فإن السياسات المائية العربية الجماعية غير واضحة المعالم، ولا تشكل نقطة المياه فرقًا كبيرًا أو أهمية تذكر في المعاهدات السياسية والاقتصادية مع دول الجوار المائي للعالم العربي.
ولم نسمع عن اتفاقيات تعاون واستثمارات وضعت الموقف المائي في الاعتبار، بينما كان ينبغي الحديث أو توقيع مذكرات تفاهم وآليات في الاتفاقات العربية مع تركيا مثلا، تلزم حكومتها بالوضع بعين الاعتبار حصة العراق وسوريا في نهري دجلة والفرات، كما لم نعرف استثمارات عربية في إثيوبيا اشترطت حل أزمة سد النهضة مع دولتين عربيتين شقيقتين، هما مصر والسودان.
والموقف التركي التاريخي حتى قبل حكومة أردوغان في أنقرة هو بناء المزيد من السدود لتخزين المياه وحرمان العراق وسوريا منها إلا بمقدار ضئيل، بهدف التوصل في النهاية إلى تسليع هذه المياه.
وموقف الخارجية التركية منذ سنوات طويلة، يتلخص في أن النفط والمياه ثروات طبيعية، وأن العراق لا تقدم نفطها مجانًا إلى تركيا!!
وهذه مغالطة كبرى، لأن النفط لم يكن يجري شمالا إلى تركيا ومنعته العراق أو وضعت أمامه عراقيل، فيما المياه تجري جنوبًا منذ قرون سحيقة، وقامت تركيا ذات التخمة المائية ببناء عشرات السدود على الفرات ودجلة من دون تشاور مع دولتي المصب، سوريا والعراق، برغم وجود اتفاقيات بين ثلاثتهم.
والمثير للاستفزاز ما أعلنه الرئيس أردوغان في مراسم تفعيل أول توربين من أصل ستة توربينات في المحطة الكهرومائية على سد “إليسو”، أن بلاده كانت تملك 276 سدًا حتى عام 2002 وارتفع العدد إلى 585 في غضون السنوات الـ 18 الماضية (منذ تولي حزب العدالة والتنمية)، ووعد بافتتاح 17 سدًا إضافيًا، يفصل بين افتتاح كل منهم شهر أو أقل من ذلك.
والأمر نفسه تراوغنا فيه إثيوبيا، وهي التي تشيد المزيد من السدود وآخرها سد النهضة، لكي تتحكم أو تحاول التحكم في دولتي المصب، وليس لتوليد الكهرباء، وصولا إلى هدفها النهائي في تسليع المياه، أو مقايضاتها، ولا تعترف إثيوبيا باتفاقيات سابقة وصفتها بأنها نتاج الحقبة الاستعمارية، كما لا تريد اتفاقيات جديدة ملزمة.
والآن بدأنا نسمع عن مصطلح “الكهربا مقابل الماء” الذي يتردد في الأردن، بعد توقيع اتفاقية تصدر عن طريقها الأردن الكهرباء إلى إسرائيل في مقابل المياه المحلاة، وإن كان هناك اختلاف بسيط لأن المياه الإسرائيلية ليست مياه نهر، وإنما مياه تحلية.
وكانت الأردن وقعت في شهر أكتوبر الماضي اتفاقًا لشراء 50 مليون متر مكعب إضافية من اسرائيل، إضافة إلى ما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام فيما بينهما سنة 1994.
وفي أوقات سابقة كان نهر الأردن يحمل الماء من جبل الشيخ بين سوريا ولبنان، إلى بحيرة طبرية ومنها إلى فلسطين والأردن، ليروي الأراضي الزارعية شرق وغرب النهر، وبعد حرب يونيو 1967 فإن إسرائيل دأبت على تقليص مياه البحيرة، كما أن النهر نفسه بات منطقة عسكرية إسرائيلية مغلقة، وتبيع شركات إسرائيلية المياه هناك للمزارعين الفلسطينيين، وتغدق على المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أما إثيوبيا وتحت ظروف الحرب الأهلية هناك، وقبل ذلك وطوال السنوات العشر الماضية، تبتعد عن أي طريق تفاوضي يقود إلى اتفاقية ملزمة مع دولتي المصب للنيل الازرق، مصر والسودان، رغم حسن نوايا البلدين، وتغاضيهما عن كل المواقف المراوغة الإثيوبية.
وتتحدث أديس أبابا عن توليد كهرباء من سد النهضة، ويعرف الخبراء المصريون أن الكهرباء المستهدفة لا تتطلب سدًا بهذا الحجم، وأن الهدف هو تخزين المياه، ووضع كل من مصر والسودان أمام أمر واقع جديد، ربما كان المستهدف هو المياه نفسها كسلعة، ولا أرى زبونًا محتملًا سوى مصر، لأن دول الجوار الإثيوبي مترعة بالمياه الفائضة عن حاجتها، وربما في الخيال الإثيوبي زبائن آخرون، مثل دول الخليج واسرائيل، عبر تكنولوجيا شديدة التعقيد.
ولذلك تأتي أهمية اجتماع المجلس الوزاري العربي للمياه في مقر الجامعة، لحماية الحقوق العربية المشروعة من المياه العابرة للحدود، ومن المشاريع العدائية لدول الجوار، وقال أبوالغيط: “في هذه المواقف العصيبة تبرز أهمية وحدة الصف العربي، إذ يقع على عاتقنا كعرب الحديث بصوت واحد لنقود تحالفًا يرسم مبادئ عادلة في تقاسم المياه، ويرسخها في قواعد ملزمة للجميع”.