الشرق اليوم- لا يسود هدوء تام على الجبهة الشرقية! فقد أصدر كبار المسؤولين في الولايات المتحدة وحلف الناتو في الأيام الأخيرة تحذيرات خطيرة حول احتمال حصول توغل روسي واسع في إقليم “دونباس” الجنوبي الشرقي في أوكرانيا، علماً أن القوات الموالية للروس تحتل جزءاً منه منذ أن ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014.
لكنّ هذا الوضع ليس العامل الوحيد الذي يُهدد استقرار المنطقة، ففي أنحاء جبال القوقاز، تتصارع أرمينيا وأذربيجان مجدداً، بعد سنة على استيلاء أذربيجان على معظم منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها خلال صراع امتد على ستة أسابيع، وفي تركيا، تحارب الحكومة ومواطنوها انهيار الليرة المتسارع وزيادة التضخم وتفاقم مظاهر سوء الإدارة الاقتصادية، وفي غضون ذلك يموت الطامحون للهجرة من الجوع والبرد تزامناً مع اصطدامهم بقوات الأمن على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا المنتسبة إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن الحشد العسكري الروسي على طول الحدود وتأكيد الرئيس فلاديمير بوتين في شهر يوليو على اعتبار أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من بلده أديا إلى وضع أوكرانيا وحلفائها الإقليميين في حالة من التأهب القصوى، وليس مصادفة أن تتزامن هذه التطورات كلها مع تعميق العلاقات بين أنقرة وكييف، فخلال مكالمة هاتفية قبل أيام، ناقش الرئيسان فولوديمير زيلينسكي ورجب طيب أردوغان تفاصيل التهديدات الروسية، وصفقة تجارية مرتقبة، وكيفية تكثيف التعاون في مجال الأسلحة.
سبق أن بدأ البلدان المجاوران في منطقة البحر الأسود بدمج إنتاج الطائرات بلا طيار، ومن المتوقع أن تشتري أوكرانيا دفعتها الثانية من طائرات “بايراكتار” التركية في السنة المقبلة، بعدما اشترت الدفعة الأولى في عام 2018 واستعملتها في شرق البلد في الشهر الماضي.
غالباً ما ينتقد المراقبون الدوليون أنقرة بسبب ميلها إلى دعم موسكو في السنوات الأخيرة، ولا سيما إقدامها على شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية “إس-400” في عام 2019، فقد أدى ذلك القرار إلى فرض عقوبات أمريكية وإخراج تركيا من عملية إنتاج طائرات “ف-35” الأمريكية، وتصاعدت الدعوات لطرد تركيا من الناتو، لكن ماذا فعل الغرب والناتو لمساعدة أوكرانيا في مواجهة التهديد الروسي؟ ضغط زيلينسكي على الناتو في مناسبات متكررة لتحديد مهلة زمنية لانتساب أوكرانيا إلى الحلف، لكن لم تُعطِ تلك الجهود ثمارها.
قد يكون الرد على العدائية الروسية من المبادئ التأسيسية للحلف، لكن يبدو أن الولايات المتحدة ودول أساسية أخرى في الناتو ليست مستعدة لإضافة عضو جديد يخوض الحرب أصلاً مع روسيا، حيث يستحق الرئيس جو بايدن الإشادة لأنه جدّد الدعم العسكري والمالي لكييف بعد وقفه في العهد السابق لأسباب سياسية.
لكنه قرر أيضاً رفع العقوبات عن الشركة الروسية التي تبني مشروع خط الأنابيب “نورد ستريم 2” الذي سيحمل الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، مما يعني حرمان أوكرانيا من نسبة هائلة من عائدات الطاقة، فقد كتب نواب أوكرانيون رسالة للرئيس بايدن في شهر أغسطس الماضي، فقالوا فيها: “قرارك حول مشروع نورد ستريم 2 يكافئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويمنحه عشرات مليارات الدولارات… ويعزز قدرة روسيا على ابتزاز أوكرانيا وأوروبا”.
باختصار، ضاعف الغرب مكافآت موسكو على حساب أوكرانيا، في حين دعمت أنقرة القوة العسكرية الأوكرانية، وبذلك يسهل انتقاد التوازن الإقليمي الذي تفرضه أنقرة، فهي تقف في وجه النظام السوري تزامناً مع مهاجمة القوات الكردية السورية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وتُشرِف على ثاني أكبر جيش في حلف الناتو تزامناً مع الحفاظ على علاقات شبه ودّية مع جهات غريبة مثل روسيا وإيران وإسرائيل. ربما قررت تركيا إبرام صفقة بيع الطائرات بلا طيار إلى أوكرانيا خدمةً لمصالحها، لا رغبةً منها في التصدي للانتهاكات الروسية، لكنّ النتيجة النهائية هي الأهم، ويكشف اتصال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره التركي قبل أيام لتحذيره من تعميق الروابط الدفاعية مع كييف أن تلك النتيجة كانت مؤثرة جداً، وإذا أدى توثيق التحالف بين تركيا وأوكرانيا إلى كبح الطموحات الروسية فعلاً، فستستحق أنقرة حينها الإشادة والشكر من الغرب.
بالاتفاق مع صحيفة الجريدة