الرئيسية / مقالات رأي / الحذر المبرّر تجاه مفاوضات فيينا

الحذر المبرّر تجاه مفاوضات فيينا

بقلم: خيرالله خيرالله – العرب اللندنية

الشرق اليوم- طبيعي أن تنظر دول المنطقة بحذر شديد إلى المفاوضات غير المباشرة التي بدأت في فيينا بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. ما يفرض الحذر، والمخاوف في الوقت ذاته، أن إيران تعرف تماما ماذا تريد فيما الإدارة الأميركية تعاني من حال ضياع تعود أساسا إلى جهلها الكامل بالشرق الأوسط.

كان أبرز دليل على ذلك مكافأة إدارة جو بايدن الحوثيين فور دخول الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض مطلع السنة الجارية. رفعت الإدارة الحوثيين عن قائمة الإرهاب قبل أن تكتشف أن مثل هذه الخطوة شجّعت من يسمون أنفسهم “جماعة أنصارالله” على المزيد من العدوانية والرغبة في فرض أمر واقع على الأرض اليمنيّة. أين المنطق في ما فعلته الإدارة الأميركية التي لم تكتشف سوى حديثا أن الحوثيين ليسوا سوى مجرّد أداة إيرانيّة وأن قرارهم عند السفير الإيراني في صنعاء وليس في أيّ مكان آخر.

كلّما مرّ يوم، يتبيّن أنّ إدارة بايدن استمرار لإدارة باراك أوباما الذي اختزل كلّ مشاكل الشرق الأوسط والخليج وأزماتهما في الملف النووي الإيراني وصولا إلى توقيع اتفاق صيف العام 2015 الذي لم يأخذ في الاعتبار السلوك الإيراني في المنطقة. على العكس من ذلك، وفّرت إدارة أوباما لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” كلّ ما تحتاجه إيران من موارد ماليّة كي تزداد شراسة في الترويج لمشروعها التوسّعي على حساب دول عربيّة مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.

في انتظار أن تثبت الإدارة الأميركية العكس، لا يوجد في واشنطن في الوقت الراهن من يدرك خطورة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة. هناك إدارة ترفض الاعتراف بأنّ أخطر ما حصل منذ العام 2015، لدى توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومجموعة البلدان الخمسة زائدا واحدا، يتمثّل في تطوير إيران لحجم عدائيتها لمحيطها المباشر وغير المباشر من جهة وتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة من جهة أخرى.

ليس معروفا تماما هل إدارة بايدن راغبة في البحث الجدّي في السلوك الإيراني… أم تريد العودة إلى اتفاق 2015 بأيّ ثمن كان من دون أي أخذ في الاعتبار للنتائج التي ستترتب على ذلك؟

في حال بقي الضياع مهيمنا على الإدارة الأميركية، ليس مستبعدا أن تشهد المنطقة المزيد من الخراب والدمار والبؤس. فكلّما مرّ يوم يزداد الشعور بأنّ إدارة بايدن لا تريد السماع بالشرق الأوسط والخليج. على دول المنطقة تدبّر أمرها بنفسها في مرحلة الغياب والضياع الأميركيين. يجسد الغياب والضياع الموقف من اليمن، الذي سبقت الإشارة إليه أعلاه. يحقّق الحوثيون، أي إيران، تقدّما على جبهة الحديدة. يعني ذلك بكلّ بساطة أن الإدارة الأميركيّة مستعدة للاعتراف بأن إيران موجودة على البحر الأحمر وأن الأمر لا يقتصر على السماح بتحول اليمن الشمالي إلى قاعدة صواريخ إيرانيّة ومصدر تهديد يومي للأمن السعودي والخليجي…

ما الذي تريده الإدارة الأميركية التي تبدو مستعدة للذهاب في مسايرة إيران إلى أبعد حدود من منطلق أنّ لديها هموما أخرى من بينها الوضع الداخلي والتحدي الذي تمثّله الصين؟

ثمّة ما يدعو إلى القلق الشديد عندما تنسحب الولايات المتحدة من أفغانستان بالطريقة التي انسحبت بها غير آبهة بمصير المواطنين الأفغان الذين أعادتهم “طالبان” إلى العيش في ظلّ نظام لا علاقة له من قريب أو بعيد بأيّ قيم حضاريّة في هذا العالم. يبدو مصير المواطن الأفغاني آخر همّ لدى الإدارة الأميركيّة. ما ينطبق على المواطن الأفغاني ينطبق أيضا على المواطن الإيراني نفسه وعلى المواطن العراق والسوري واللبناني… واليمني الذي يعيش في ظلّ ما يفرضه الحوثيون من تخلّف وقيم بالية وبائسة على مساحة واسعة من اليمن، بما في ذلك مدينة ذات تاريخ عريق اسمها صنعاء!

هل تتعرّف إدارة بايدن إلى الشرق الأوسط والخليج قبل فوات الأوان؟ المدخل إلى ذلك إدراك أن إيران، منذ العام 1979، ليست دولة طبيعيّة. ليس لديها شيء من سلوك الدولة الطبيعيّة المهتمة برفاه شعبها أوّلا.

يفترض في الإدارة الأميركية سؤال نفسها إلى أيّ حد ستذهب إيران في شراستها؟ من الواضح أنّ لا حدود لما يمكن أن تذهب إليه أكان ذلك في العراق أو لبنان أو اليمن أو سوريا حيث أوجدت أمرا واقعا يتمثّل في تغيير التركيبة السكانيّة، من منطلق مذهبي، في هذا البلد الواقع تحت خمسة احتلالات.

تصعّد إيران في كلّ الاتجاهات وتعمل في الوقت ذاته على الاستحواذ على السلاح النووي. سيكون السؤال الذي سيطرح نفسه يوميا في المرحلة المقبلة مرتبطا بأفق السياسة الإيرانية التي لم تؤد إلى اليوم سوى إلى تفريغ البلد من أفضل الناس فيه. الإيرانيون من أصحاب الكفاءات والفكر المنفتح هاجروا من إيران بعد رفضهم العيش في ظلّ النظام الذي أسس له آية الله الخميني الذي فرض نظريّة “الوليّ الفقيه” التي تجعل من “المرشد” صاحب كلّ السلطات في البلد والقائد المعصوم.

لا أفق للسياسة الإيرانية، لا في إيران نفسها ولا في المنطقة. كلّ ما في الأمر أنّ هناك نظاما يعتقد أن تصدير أزماته إلى خارج حدوده يضمن بقاءه في السلطة. هذا كلّ ما في الأمر، خصوصا أنّه لا يهمّ السياسة الإيرانيّة ما يحلّ بالإيرانيين أنفسهم أو بالدول العربيّة الأربع التي تظنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” أنها واقعة تحت سيطرتها وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن.

نعم، الحذر والخوف من الإدارة الأميركيّة مبرران، خصوصا أنّ المسؤول الأميركي روب مالي، المكلّف بالملفّ الإيراني لا يوحي بالثقة نظرا إلى أنّه لا يرى في المنطقة غير إيران ولا يبحث سوى عن كيفية مراعاتها.

للمرّة الألف، هل إيران دولة طبيعيّة أم لا؟ هل تدرك إدارة بايدن ذلك… أم تعتبر أن لا ضرورة لأي جهد إضافي يصبّ في معرفة خطورة حصر التعاطي مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” بالملف النووي من دون التطرق إلى صواريخها وطائراتها المسيّرة وميليشياتها المذهبيّة!

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …