الشرق اليوم- وفق بيانات حديثة أصدرتها وزارة الدفاع الأميركية، نشرت إدارة بايدن عدداً إضافياً من القوات الأميركية في تايوان خلال الأشهر القليلة الماضية، مما يعني إبقاء حوالي أربعين جندياً في تلك الجزيرة المحاصرة لحماية السفارة الأميركية وتدريب القوات التايوانية.
قد يطرح هذا التوسّع الأميركي البسيط لكن الثابت مخاوف متزايدة حول مصير الجزيرة في البيت الأبيض والبنتاغون، فلا يظن معظم المسؤولين العسكريين أن الصين اتخذت قرار الغزو بعد، لكن يستمر تصعيد الوضع تزامناً مع إقدام بكين على حشد قواتها البرمائية وصواريخها فائقة سرعة الصوت لإضعاف دفاعات تايوان، لا سيما بعد تتويج الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال جلسة افتراضية مكتملة للحزب الحاكم هذا الشهر، وفي الوقت نفسه يرفع المسؤولون الصينيون الصوت حول أهمية استرجاع ما يعتبرونه مقاطعة منشقّة.
قد لا تعطي أرقام “مركز بيانات القوى العاملة الدفاعية” (مكتب التعقب في البنتاغون) لمحة شاملة عن أعداد القوات الأميركية، إذ لم يتّضح مثلاً إذا كانت عمليات التعقب تشمل القوات العسكرية الخاصة التي تتدرب في تايوان، لكن تبقى الأرقام الأخيرة مختلفة جداً عن حجم القوات الأميركية المحدودة تاريخياً، ففي أواخر عهد أوباما وبداية عهد ترامب، اقتصر عدد الجنود الأميركيين في الجزيرة على عشرة تقريباً، ثم تضاعف هذا العدد في نهاية عهد الرئيس دونالد ترامب، وفي المقابل، بقي عدد المدنيين الأميركيين ثابتاً بشكل عام، بحسب أرقام البنتاغون، واقتصر على 15 عنصراً.
يبدو أن هذا الدور بدأ يتوسع الآن: تنتشر قوات مشاة البحرية الأميركية حول العالم لتشديد التدابير الأمنية في السفارات، وقد ساهمت القوات الأميركية التي دخلت إلى تايوان وخرجت منها بكل هدوء طوال عقود في تدريب الجيش التايواني على استعمال أنظمة الأسلحة الأميركية التي تباع بموجب “قانون العلاقات مع تايوان”، لكن في آخر سنتين، وبعد اشتداد الضغوط من مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، بدأت القوات الأميركية تضطلع بدور ناشط وتساعد التايوانيين على الاستعداد لصدّ أي هجوم صيني برمائي محتمل وتُدرّبهم على متابعة المقاومة البرية المسلحة إذا حاول جيش التحرير الشعبي التصدي لحملة مكافحة التمرد.
يشعر البعض بالقلق من أن يضطر البنتاغون للالتزام بالدفاع عن الجزيرة بسبب زيادة القوات الأميركية في تايوان، مما يؤدي إلى توسيع مهام الجيش الأميركي والتراجع عن طموحات إدارة بايدن بسحب قوات أميركية إضافية من الصراعات الخارجية.
عملياً، لا يدعم الشعب الأميركي خوض الحرب مع الصين بسبب تايوان، حيث يقول ألكسندر ماكوي، وهو منظّم تقدمي للسياسة الخارجية وأحد مؤسسي مجموعة “الدفاع المشترك” الخاصة بالمحاربين القدامى: “هذا هو الواقع بكل بساطة. لذا من الواضح أن أعضاء الكونغرس الذين يطلقون مواقف عدائية دفاعاً عن تايوان يراوغون ويجازفون بحياتنا جميعاً، ولا ننسى حياة جميع الأطراف التي ستصبح في مرمى النيران، إنه نهج غبي ويصعب أن أجد له تفسيراً”. لكن يبدو أن بكين تتقدم بوتيرة أسرع، فقد أعلنت لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية في تقريرها السنوي الذي صدر قبل أيام أن الصين كثّفت أسلوب الإكراه العسكري في بحر الصين الشرقي والجنوبي، وفي مضيق تايوان أيضاً، خلال السنة الماضية، كذلك، دعت اللجنة الكونغرس إلى اتخاذ خطوات كبرى لتحسين العلاقة الأميركية مع تايوان، منها تقديم مساعدات عسكرية أميركية إلى الجزيرة على مر سنوات عدة، والتركيز على تسليم أنظمة الأسلحة الأميركية، والسماح بنشر صواريخ باليستية وانسيابية مضادة للسفن في المنطقة، وتخصيص مبالغ مالية لتحسين الدفاع الصاروخي وتقوية القواعد الأميركية ضد أي هجوم صيني محتمل.
بدأ بعض الجمهوريين وخبراء الدفاع يشككون بفاعلية “الغموض الاستراتيجي” الأميركي للتعامل مع أزمة تايوان، علماً أن هذه السياسة القديمة لا توضح مدى استعداد واشنطن للدفاع عن تايوان في وجه الغزو الصيني.
يقول إيان إيستون، مدير بارز في “معهد المشروع 2049” (منظمة بحثية معنية بشؤون الصين في “أرلينغتون”، فرجينيا): “لا أستطيع أن أتذكر أي تجربة نجحت فيها الولايات المتحدة في ردع قوة مثل الصين في آخر سبعين سنة عبر تطبيق مقاربة مشابهة لما تفعله اليوم مع تايوان، إذ لم يمنع الغموض الاستراتيجي كوريا الشمالية من غزو كوريا الجنوبية في عام 1950، ولم يمنع شمال فيتنام من غزو جنوب فيتنام، ولم يمنع صدام حسين من غزو الكويت في عام 1990، وفي هذه الحالات كلها، طُبّقت سياسات مبنية على الغموض الاستراتيجي وفشلت في تحقيق أهدافها، لذا من الأفضل أن تتخذ هذه الإدارة وأي إدارات أميركية مستقبلية خطوات أكثر شفافية”.
نقلاً عن الجريدة الكويتية