بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تسود نبرة لا تطمئن بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وأخذت تتصاعد منذ أسابيع مع مناورات عسكرية متعددة المهام والتساؤلات، على الرغم من الدبلوماسية المراوغة التي تحاول أن توحي بأن هناك مساعي لاحتواء التصعيد، واتصالات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظرائه الغربيين واحتمال عقده قمة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.
المشاكل قائمة وسوء التفاهم يتسع، واللغة المستخدمة تنهل من معاجم الحرب والصراعات، فالأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ يطلق للمرة الأولى كلمة “النظام” في وصف الحكومة الروسية، التي اتهمها بانتهاج سياسة “عدوانية” خارجياً، و”ظالمة” داخلياً. وهذه اللغة الأطلسية غير مألوفة، وعادة ما يستخدمها الغرب على دول يصنفها “معادية”، ويعمل على تغيير أنظمتها. ومرد هذا الخطاب المتشنج ما يحدث على حدود أوكرانيا، وبين بيلاروسيا وبولندا وغيرها من القضايا الجيوسياسية محل الخلاف. ويبدو أن الغرب متوتر للغاية، ويخشى أن يفلت زمام المبادرة من يديه. وبالمقابل تظهر روسيا بعضاً من “ضبط النفس”، لكنها تتحرك على الأرض وفي الفضاء لحماية ما تعدها مصالحها الاستراتيجية وحدود أمنها القومي. وبموازاة ذلك، يستمر بوتين في إثارة الغرب بغموضه وتصريحاته النارية، ومنها أن القوات الروسية ستتحرك خلال دقائق حال ظهور أية صواريخ قادرة على تهديد موسكو في أوكرانيا، متباهياً بما تنجزه بلاده من سبق في الأسلحة الصاروخية الفائقة، وبعضها تتجاوز سرعتها 11 ألف كيلومتر في الساعة.
الانسياق في هذا الخطاب العدائي يعبر عن تعطل قنوات الحوار بين روسيا والغرب، ويهدد بنسف التفاؤل الهش بإقامة جسور للتعاون والتعايش بين أكبر قطبين في العالم يحوز كلاهما أحدث ما وصلت إليه الصناعات العسكرية، وقد يتسع هذا الاستقطاب بضم قوى أخرى، وفي صدارتها الصين غير الهينة على جميع المستويات، ويبدو أن بكين لن تبقى متفرجة، وعلاقتها بالغرب والولايات المتحدة ليست على ما يرام، على الرغم مما يدور من مبادرات لخفض التصعيد. وبالتزامن مع التوتر المتصاعد بين موسكو والعواصم الغربية الكبرى، دخلت بكين على الخط، واتهمت واشنطن صراحة بتهديد السلام عبر اختلاق “أعداء وهميين”، وهذه النبرة إذا لم تتعدل بالحوار والتفاهم بين هذه القوى الكبرى، فإن الوضع لن يكون طيباً وينذر بما تحاشاه العالم لعقود.
هناك نقاط غموض كثيرة تشوب العلاقات الدولية. أما جوهر هذه التوترات فيعود إلى المصالح التي تراها بعض الأطراف الدولية دائمة، ولا يصيبها التغيير، بينما الواقع العالمي الراهن يشهد اختلالات عميقة ستهز الأنساق السائدة في صدارتها المركزية الغربية، التي بدأت تستشعر الخطر وترى أن التهديد مرده الشرق مرة أخرى، وتحديداً روسيا والصين، فالأولى قوة عسكرية وسياسية ضخمة، والثانية تعمل على جمع القوتين مع نهضة اقتصادية غير مسبوقة. والتاريخ لا يتوقف ولا يعرف نهاية، وما ساد العالم طوال عقود لا يمكن أن يستمر إلى الأبد؛ بل سيتغير وسيخلق مسارات جديدة لا تخلو من الصراعات، وربما الحروب التي عادة ما ترسم الحدود الفاصلة بين حقبة وأخرى.