بقلم: منصور الحاج – موقع الحرة
الشرق اليوم- قبل أيام، نشر الكاتب التشادي، حسين الداسوقي، مقالا بعنوان “هل نحن شعب صالح للديمقراطية” على صفحته في الفيسبوك اعتبر فيه أن استغلال التشاديين للانتماءات القبلية من أجل تحقيق مكاسب سياسية أمر يجعل منهم شعبا لم يصل إلى النضج الكافي للعيش في ظل نظام ديمقراطي.
واعتبر الداسوقي في مقاله أن “الديمقراطية تحتاج منا أولاً أن نكون مقتنعين تماماً وراضين بملئ إرادتنا أن نتنازل عما هو لنا لأجل الوطن، وبمعنى أدق ترك الأنا لأجل الوطن، بل يفترض أن يمتد الفكر لأبعد من ذلك وصولاً إلى اختفاء الآخر واعتبار الآخر هو أنا والأنا تعني جميع المواطنين داخل الدولة حيث تنتهي الجهوية والقبلية، ولا أعني هنا القبيلة كمكون اجتماعي، بل ما أعنيه هو استغلال القبيلة كمركب اجتماعي لأجل أغراض سياسية وإقحامها في جميع المعادلات والسياسات”.
واختتم الداسوقي مقاله بقوله: “أقولها وبكل صراحة: نحن شعب لا نصلح للديمقراطية، فالديمقراطية ليست لعبة متاحة للقبائل والإثنيات”.
في البداية، أشكر الكاتب على طرحه موضوع قابلية الديمقراطية للتطبيق في تشاد على طاولة النقاش، فسؤاله مهم ومنطقي وملاحظته أن في تشاد من يستغلون التركيبة القبلية للمجتمع من أجل تحقيق مكاسب ذاتية على حساب المصلحة العامة للشعب، في محلها.
ولكن ليسمح لي السيد الداسوقي أن أختلف معه في الرأي والقول إن التركيبة القبلية للمجتمع التشادي وحرص الكثير من السياسيين على الحصول على دعم وتأييد القبائل التي ينتمون إليها ومحاباة أبناء قبيلتهم بعد الفوز بالمنصب لا يعني أن الديمقراطية لا تصلح للتطبيق في تشاد وذلك لعدة أسباب.
أولا: إن الديمقراطية كنظام سياسي للحكم هي إرث إنساني توصل إليه البشر بعد تجارب مريرة مع الاستبداد، وعلى الرغم من أنه ليس نظاما مثاليا، إلا أنه أفضل الموجود وإن تنازُل الشعوب عنها، بأي حجة من الحجج، لا يخدم سوى الطغاة والمستبدين الذين استغلوا العيوب والثغرات الموجودة في النظام الديمقراطي للاستفراد بالسلطة والسيطرة على مؤسسات البلاد ونهب مقدراتها وانتهاك الحقوق والحريات.
ثانيا: إن رفض الديمقراطية بحجة استغلال البعض للتركيبة القبلية لتحقيق مصالح سياسية خاصة هو حكم يفتقد الحكمة وأشبه بمن يتخلص بالطفل مع بقايا الماء المستخدم في تحميمه. والتصرف المنطقي في هذه الحالة هو أن نفكر في إيجاد حل لهذه المشكلة عبر نشر الوعي وتثقيف المواطنين بأهمية اختيار المرشح الأصلح والأنسب، بغض النظر عن انتمائه القبلي، وتنبيه السلطات إلى ضرورة التصدي للفساد والمسؤولين الذين يسيئون استخدام سلطاتهم وصلاحياتهم والموارد التي تحت تصرفهم.
ثالثا: إن الانتخابات أو حق الشعوب في المشاركة في القرار السياسي عبر ممثلين هي ركن واحد من أركان النظام الديمقراطي، وإن من الخطأ اختصار الديمقراطية في التمثيل السياسي فقط، وبالتالي فإن بالإمكان التصدي لمشكلة استغلال الانتماء القبلي لتحقيق مصالح سياسية خاصة عبر الجهاز التشريعي، على سبيل المثال، وذلك بإصدار قوانين تقيد أي مسؤول من استغلال منصبه لصالح قبيلته.
ويمكن للأجهزة الرقابية في البلاد المتابعة والتحقيق في حالات الفساد من هذا القبيل، كما أن على الصحفيين والإعلاميين الاستفادة من حرية التعبير التي يكفلها النظام الديمقراطي في تسليط الأضواء على المسؤولين المشتبه في محاباتهم لمن ينتمون إلى قبائلهم على حساب غيرهم من المواطنين.
أوافق السيد الداسوقي في قوله إنه ليس ضد التركيبة القبلية بحد ذاتها، وإنما ضد تغليب المسؤول الحكومي لمصلحة القبيلة على مصلحة الوطن، وأضيف على ذلك بالقول إن شعور الإنسان في المجتمعات القبلية بالمسؤولية تجاه أبناء قبيلته أمر طبيعي ولا غرابة فيه.
فالتكافل والوفاء والإحسان إلى ذوي القربى من الشيم الحسنة التي يجب تشجيعها، ولكن ما يجب علينا التنبيه عليه والتحذير منه هو المحاباة وتفضيل المسؤول الحكومي لأبناء قبيلته على حساب المواطنين وتسخير موارد الدولة ومقدراتها في خدمتهم.
إن من مصلحة شعوب العالم، وخاصة تلك التي عانت من الاستبداد والظلم، المطالبة بالديمقراطية والتمسك بها والحرص على بناء دولهم على أسس متينة قائمة على الفصل بين السلطات الثلاث والحفاظ على استقلالية المؤسسات والأجهزة الحكومية وكفالة وحماية الحقوق والحريات من أجل النهوض بالبلاد وتحقيق التنمية والمستدامة والانتعاش الاقتصادي.