بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- أكثر من أي وقت مضى يخضع العراق لتجاذب أميركي – إيراني، ألقى بتأثيره في نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي. إذ أن الواقع العسكري – السياسي لفصائل “الحشد الشعبي” يجعل من الصعوبة بمكان على الحكومة، أن تمضي في تثبيت نتائج الانتخابات التي أتت في غير مصلحة الأحزاب الموالية لـ”الحشد”.
وعلى رغم الإيجابيات التي نمت عن دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الميليشيات العراقية إلى تسليم أسلحتها للدولة، مبادراً هو إلى حل “سرايا اليوم الموعود” التابعة له، فإن أياً من فصائل “الحشد” يبدو في وارد أن يحذو حذو الصدر، الذي حل أولَ في الانتخابات ونال بذلك من الشرعية السياسية ما يجعله غير قلق على مستقبله السياسي.
لكن ليس هذا حال الفصائل الأخرى، التي تخشى إقصاءها من العملية السياسية ومن الحكومة المقبلة، إذا ما ذهبت الكتل الفائزة نحو تشكيل حكومة غالبية. ولذا اقترحت قوى الإطار التنسيقي المعارض لنتائج الانتخابات، تأليف حكومة توافقية تضم جميع القوى السياسية. وينطوي هذا الاقتراح ضمناً على أن تلبية عودة الصدر إلى تسليم السلاح للدولة، ترتبط بالمشاركة في الحكومة أولاً وقبل كل شيء.
ومع أن الواقع الراهن في العراق لا يدعو إلى كثير من التفاؤل، لا سيما بعد استهداف مقر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في المنطقة الخضراء في بغداد بمقذوفتين من طائرتين مسيّرتين في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، فإن القوى الفائزة في الانتخابات تدرك حدود ما تملكه من إمكانات، في مواجهة فصائل “الحشد”.
وبإزاء التشاؤم المخيم على المنطقة الخضراء ومحيطها، ينظر العراقيون اليوم إلى فيينا وما ستفضي إليه المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة. ولن يكون العراق بعيداً من هذه المفاوضات أو من المناخات الإقليمية الإيجابية والتي كانت بغداد مساهماً أساسياً في بلورة سياقاتها من خلال إستضافة جولات الحوار السعودي – الإيراني.
إن رهان العراقيين الذين نزلوا إلى الشوارع في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، كان على حصول إصلاح في أجهزة الدولة التي نخرها فساد الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003. بيد أن أياً من مطالب المحتجين قد تحقق باستثناء استقالة حكومة عادل عبد المهدي واختيار مصطفى الكاظمي خلفاً له ومن ثم إجراء الانتخابات المبكرة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
ودفع الإحباط الذي شعر به المطالبون بالإصلاح نتيجة القمع الذي تعرضوا اليه، إلى عدم المشاركة في الانتخابات التي كانت نسبة الإقبال فيها هي الأقل منذ عام 2005. ليس هذا فحسب، بل إن فقدان الأمل بالتغيير، نابع أيضاً من التسليم بأن العراق لا يزال خاضعاً لتوازن داخلي يعكس احتدام الصراع الأميركي – الإيراني على النفوذ في هذا البلد. واستناداً إلى هذا الاعتبار أجهض حراك تشرين الأول (أكتوبر)، ومن ثم كان الطريق المسدود بعد الانتخابات.
ويضاف إلى ذلك، استشراء الفساد في أوساط الطبقة الحاكمة، ما حال دون بناء مؤسسات فعلية وتوفير الخدمات الأساسية للعراقيين، وإهدار عوائد القطاع النفطي في غير محلها، في ظل غياب تام للمحاسبة والشفافية.
وصحيح، أن الحروب المتتالية منذ أربعين عاماً قد أنهكت العراق وشعبه، لكن الغزو الأميركي كان بمثابة ضربة قاضية، لبلد كان يحتل موقعاً محورياً في الشرق الأوسط. وما كاد العراق يلملم آثار الغزو، حتى ظهر تنظيم “داعش” ليزيد مآسي العراقيين استفحالاً.
إن مشاكل العراقيين مركبة ومتعددة، تبدأ بطبقتهم السياسية الفاسدة، ولا تنتهي بتركيبة النظام الطائفية، وبالصراع الداخلي بين قوى تختلف رؤاها لما يجب أن يكون عليه العراق وللدور الذي يتعين أن يلعبه في منطقة تعج بالنزاعات.
إن الخلاف على نتائج الانتخابات ليس سوى رأس جبل الجليد لأزمات أكثر عمقاً وامتداداً.