بقلم: منال الشوربجي – البيان
الشرق اليوم- قد لا يعرف الكثيرون أن الولايات المتحدة تواجه خطر التحول لدولة يحكمها نظام سلطوي، والولايات المتحدة معرضة لذلك المصير في المدى القصير لا البعيد، وهو خطر حقيقي لا متصور، فالتجربة السياسية الأمريكية لا تزال شابة، يقل عمرها عن مائتي وخمسين عاماً، وهى أعوام قليلة في عمر التجارب الإنسانية، والديمقراطية فيها لا تزال هشة، بل وقاصرة من أوجه عدة، ولئن كانت قد نجحت في مواجهة تحديات مختلفة طوال تاريخها، فهي، ككل التجارب، قابلة للانكسار حال مواجهة تحديات كبرى، فليس خافياً أن تلك الديمقراطية ظلت حتى ستينيات القرن العشرين لا تمنح قطاعات واسعة من مواطنيها أبسط حقوق المواطنة كالمساواة في الحقوق والواجبات، فبينما كان السود يقومون بواجبهم في الدفاع عن وطنهم خارج حدوده، ويموتون من أجله، عبر الخدمة في صفوف الجيش، فإنهم كانوا في تلك اللحظة التاريخية نفسها محرومون من حقهم في المساواة على أرض بلادهم، فقد كانوا يعيشون فصلاً عنصرياً بغيضاً، ويحرمون من حقهم في التصويت عبر قواعد تتحايل على الدستور الأمريكي، وقد ظلت المرأة محرومة من حقوقها المتساوية، بما في ذلك الحق في التصويت حتى عشرينيات ذلك القرن، أما السكان الأصليون لأمريكا، فلم يصبحوا مواطنين أمريكيين أصلاً حتى ذلك العقد نفسه. والانتخاب غير المباشر، الذي صار جزءاً من الماضي في الكثير من دول العالم، لا يزال معتمداً في الولايات المتحدة لأعلى منصب سياسي فيها، فالرئيس الأمريكي، لا يتم اختياره في أية مرحلة من مراحل انتخابات الرئاسة، عبر الانتخاب المباشر، فلا الانتخابات التمهيدية، التي تدور فيها المعركة داخل كل حزب، ولا الانتخابات العامة، التي تدور بين الحزبين، تحدث عبر الانتخابات المباشرة. أكثر من ذلك، فإن استمرارية نظام الحزبين طوال التاريخ الأمريكي كله يرجع لوجود قواعد وقيود لا تسمح عملياً للأحزاب الأخرى بمنافسة الحزبين الكبيرين منافسة عادلة، لكن المعركة الدائرة اليوم، خصوصاً منذ وصول الرئيس السابق، دونالد ترامب، للسلطة في عام 2016، تظل هي الأكثر خطراً على التجربة الديمقراطية الأمريكية. فليس جديداً أن الحزب الجمهوري، حزب ترامب، شهد تحولات راديكالية منذ منتصف التسعينيات، وهى تحولات لم تكن تتعلق فقط بانحراف الحزب مزيداً نحو اليمين، ولا حتى بهيمنة الحزب على الجنوب الأمريكي الأكثر يمينية تقليدياً، وإنما تعلقت، وهو الأهم، باعتماد أساليب سلطوية في عملية صنع القرار، فرموز الحزب بالكونغرس، على سبيل المثال، حولت إجراءات المؤسسة التشريعية من اللا مركزية، التي كانت تميزها وتسمح بتعددية واسعة داخل كل حزب وبين الحزبين الكبيرين، إلى إجراءات مغالية في تركيز السلطات في يد حفنة صغيرة للغاية من قياداتها. واتبعت رموز الحزب عمداً أساليب الصدام مع الحزب الآخر، مما أدى للصعود المتزايد للاستقطاب السياسي.
لذلك، فقد مثل ترامب مجرد امتداد راديكالي لتلك التوجهات التي كانت موجودة أصلاً داخل الحزب، وقد نجح ترامب في جر أكثر قطاعات اليمين تطرفاً من هامش الساحة السياسية إلى قلبها، وذلك القطاع تحديداً له ميول مغالية في سلطويتها ورفضها العميق لأهم أسس الديمقراطية، ولأن الحزب صار يزداد انحرافاً نحو اليمين في الأصل، فقد صار الحزب هو حزب ترامب، حيث يمثل أنصاره، الذين يأتمرون بأمره، ويصدقون كل مقولاته دون قيد ولا شرط، قاعدة الحزب الانتخابية. وقد نجح ترامب في أن يقنع الأغلبية الساحقة من الجمهوريين بأن انتخابات 2020 قد تم تزويرها لصالح بايدن، الأمر الذي صاروا معه يؤمنون فعلياً بأن بايدن رئيساً غير شرعي، ولأن التعبئة الواسعة التي حشدت الأقليات للتصويت عام 2020 هي التي حسمت الانتخابات لصالح بايدن، فقد نجحت رموز الحزب الجمهوري بالولايات في استصدار قوانين في ثلاثين ولاية تحرم تلك الأقليات عملياً من التصويت. وما لم ينجح الديمقراطيون في إصدار قانون فيدرالي يلغي تلك القوانين، فإن كل انتخابات تشريعية ورئاسية قادمة ستكون نتائجها محسومة سلفاً لصالح الجمهوريين، الذين صاروا على استعداد لاتخاذ إجراءات وإصدار قوانين بالغة السلطوية، من شأنها وضع المسمار الأخير في نعش الديمقراطية الأمريكية.