بقلم: حسام ميرو – الخليج
الشرق اليوم- منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من نوفمبر/ كانون الأول عام 1971، ولغاية اللحظة الراهنة، مرّ العالم العربي بمنعطفات مصيرية، جعلت من عدم اليقين عنواناً رئيسياً للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لعدد من دوله ومجتمعاته، كما أن حالة الاضطراب بمعناها المباشر وغير المباشر لم تغب عن الساحة العربية في العقود الخمسة الماضية، ووسط جملة من التحدّيات الكبرى، كان على الإمارات أن ترسّخ مكانتها كدولة في محيطها الخليجي والعربي، وأيضاً في العالم، وهو أمر ليس سهلاً بالمقاييس الجيوسياسية، خصوصاً أن التحدّيات التي عرفها العالم العربي كانت تحدّيات وجودية، طالت في بعض الأوقات الكيان والسيادة لدول عريقة وقوية.
الشعارات الأيديولوجية الكبيرة التي أطلقتها بعض حكومات المنطقة ذات يوم لم يبقَ منها أي شيء يذكر، بل إن معظم تلك الشعارات، أو كلّها، لم يجد له تطبيقاً في الواقع، وإذا كان الهدف الرئيسي من إطلاق أي شعار، كمبدأ أو هدف، هو الإنسان نفسه، أي الفرد والمجتمع، فإن قياس أوضاع الأفراد والمجتمعات، يعدّ المفتاح الأهم لقراءة أي تجربة سياسية في أبعادها التنموية. وأصبح واضحاً خلال العقد الأخير أن الفصام بين الأهداف والواقع والوقائع هو العنوان الرئيسي الكبير لتجارب عدد من أنظمة الحكم العربية.
الدرس البديهي في علم الاجتماع السياسي المتعلق بقدرة الدول على الاستقرار هو المشروعية، فإذا كانت شرعية الدولة، أية دولة، في عالمنا المعاصر، تأتي من اعتراف المنظمات الإقليمية والدولية بها، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، فإن المشروعية هي دينامية داخلية، تتحدّد بطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أي بمتانة العقد الاجتماعي القائم، وهذه الدينامية كانت الغائب الأكبر فعلياً في عدد من دول ومجتمعات العالم العربي، والشرق الأوسط، وهذه الدينامية ليست خطاباً إنشائياً للاستهلاك الإعلامي، بل مؤشرات قابلة للقياس، في مجالات الحياة الأساسية أولاً، ومن ثم الفرعية، فالتعليم والصحة وجودة الخدمات ومتوسط دخل الفرد، وغيرها من المجالات المتصلة بحياة الفرد/ المواطن، هي الحقول التي يمكن التعرف من خلالها على متانة العقد الاجتماعي القائم، وبالتالي مدى استقرار الدولة ومشروعية الحكم، وهي لا تقل عن الشرعية الدولية، بل تضاهيها في الأهمية.
تمكّنت الإمارات من تحقيق موقع متقدم جداً في مؤشر متوسط دخل الفرد، فهي في المرتبة العاشرة في التصنيف العالمي، وهو المؤشر الأهم على مستوى قياس معيشة الأفراد، لأنه ليس مرتبطاً بالقدرة الشرائية فقط، وإنما بمجمل الحالة الاقتصادية، وانعكاسها على المواطن، ما يعني بالضرورة أن الدولة في هذه الحالة لديها برامج فعالة للحوكمة والمساءلة والشفافية، وتفاعل المؤسسات مع بعضها لتأمين الخدمات بطرق حديثة، وهو الأمر الذي تؤكده مكانة دولة الإمارات في مختلف مؤشرات الحوكمة، التي تصدرها أهم المؤسسات الدولية، بما فيها البنك الدولي.
في الإمارات، هناك أكثر من 200 جنسية، يعيش أبناؤها في بلد متنوّع ثقافياً، يحترم اختلاف العادات والتقاليد، وقد تحوّلت بفضل جهود كبيرة بذلت على مدار عقود، إلى أحد أكثر الأماكن فرادة في العالم، من حيث الجاذبية لبيئة الأعمال والاستثمارات والعيش، وقد تمكنت الإمارات من تجاوز العديد من الأزمات الإقليمية والدولية الاقتصادية، وكان أبرزها الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والتي تركت تبعات قاسية على عدد من اقتصادات العالم، حيث ما زالت بعض الدول تعاني آثارها، بينما تمكّنت الإمارات من تحويل هذه الأزمة إلى فرصة حقيقية لاختبار متانة خياراتها الاقتصادية والمالية الاستراتيجية.
هناك مسألة تبدو قليلة الحضور في عالمنا العربي والشرق أوسطي عند الحديث عن التنمية، وهي مكانة ودور المرأة في المجتمع والاقتصاد والعمل الحكومي والتعليم، لكن هذه المسألة بالغة الأهمية والحساسية في الوقت ذاته، فالاتجاه العولمي ما بعد ثورتي التقانة والاتصالات يتجه نحو جندرة كل مناحي الحياة، وهو ما يعني تمكين المرأة فعلياً لتكون مواطناً وشريكاً في مختلف القطاعات، وقد أدّت ديناميات التنمية في الإمارات إلى تمكين المرأة الإماراتية من تحقيق مكانة متقدمة وفاعلة في كل المستويات. فبحسب إحصائية صادرة عن الهيئة الاتحادية للموارد البشرية في الإمارات، فإن عدد موظفي الوزارات والجهات الاتحادية حوالي 100 ألف موظف، تشغل النساء حوالي 37 ألف وظيفة من هذه الوظائف، بما فيها الوظائف العليا.
خمسون عاماً من التأسيس، مملوءة بإنجازات كثيرة، وتحديّات ومخاطر كبيرة، تمكنت الإمارات من تأمين الاستقرار والنمو وسط عالم مضطرب، عبر معادلات استثنائية حوّلت الأهداف الكبيرة إلى واقع ملموس.