الرئيسية / مقالات رأي / Project Syndicate: خضرنة الأعمال التجارية بعد “كوب 26”

Project Syndicate: خضرنة الأعمال التجارية بعد “كوب 26”

بقلم: يوهان روكستروم

الشرق اليوم– يُظهر علم المناخ بوضوح أن تحقيق الازدهار والإنصاف في المستقبل يكمن في الاتجاه نحو هدف واحد فقط، هو تحقيق اقتصاد عالمي إيجابي الطبيعة، وخال من الكربون.

ما الخطوة التالية في أجندة المناخ العالمي؟ من المؤكد أن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ “كوب 26″، الذي انعقد هذا العام في غلاسكو لم يفشل، لكنه لم يحقق نجاحا كبيرا، إذ رغم انضمام زعماء العالم إلى بعض الاتفاقات الجديدة الواعدة بشأن الأهداف المحددة، لم تقلَّص حتى الآن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالسرعة المطلوبة، وعلى الرغم من تعزيز تعهدات بعض البلدان بشأن المناخ، فإن الافتقار إلى تدابير ملموسة لتحقيقها يمثل مصدر قلق حقيقي، وما زلنا نلاحظ أن الفجوة السياسية آخذة في الاتساع.

ويُظهر علم المناخ بوضوح أن تحقيق الازدهار والإنصاف في المستقبل يكمن في الاتجاه نحو هدف واحد فقط، وهو تحقيق اقتصاد عالمي إيجابي الطبيعة، وخال من الكربون، ومع الأحداث المناخية القاسية التي شهدها هذا العام، والرسائل العلمية الصارمة التي تضمنها تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، لسنا بحاجة إلى مزيد من التأكيد على الحقائق، فالعالم يواجه مخاطر هائلة تهدد التنوع البيولوجي والطبيعة، ومن أجل البقاء على المسار الصحيح لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، يجب أن نخفض الانبعاثات إلى درجة كبيرة قبل عام 2030.

ومازال العديد من صانعي السياسة بطيئين في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لتغير المناخ، مُعربين عن مخاوفهم من أن العمل المناخي سيثقل كاهل الشركات، ولكن العديد من كبار قادة الأعمال يضعون شركاتهم على نحو متزايد في مسار يركز على قدر أكبر من الاستدامة، فقد تقبل الغالبية العظمى منهم نتائج علم المناخ، وتجاوزوا مرحلة الإنكار والتردد، وكان هذا الاتجاه الواسع النطاق واضحاً في غلاسكو، الذي عرف حضور كبار المديرين التنفيذيين من العديد من أكبر الشركات في العالم. وفي مرحلة الإعداد لـ”كوب 26″، أجرينا مقابلات مع قادة الأعمال من أكثر من 20 شركة ألمانية كبرى (بما في ذلك “باسف” و”ديملر” و”دوتش بانك”، و”دوتش تيليكوم”، و”لوفثانسا” و”سايمنس”، ودرسنا استراتيجيات الاستدامة التي يعتمدونها، ومن بين النتائج الرئيسة التي توصلنا إليها أن تسعة من كل عشرة رؤساء تنفيذيين ألمان يرون أن الاستدامة ستكون مهمة خلال السنوات الخمس المقبلة، شأنها في ذلك شأن الرقمنة. وتمثل هذه التصريحات تغييراً مذهلاً لا مجرد كلمات مجانية، إذ في المتوسط، تهدف الشركات المشاركة في الدراسة إلى تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2035، ليس فقط في مباني مصانعها، ولكن أيضا في سلاسل القيمة العالمية الخاصة بها، ولا يتوهم قادة الشركات الألمانية أن هذا سيكون سهلاً؛ إذ يدرك معظمهم أن أفعالهم لا تعكس بعد مواقفهم، ومع ذلك، يبدو واضحا أن الاستدامة انتقلت إلى قمة جدول أعمال الرئيس التنفيذي، لتحل محل كوفيد19 باعتباره الموضوع ذا الأولوية الكبرى.

ويشير الاستطلاع الذي أجريناه إلى ظهور موقف جديد في الأعمال التجارية الألمانية، إذ تعتبر الشركات الآن استراتيجية استدامة قوية ضرورية للحفاظ على “ترخيص مزاولة نشاطها”، ويدرك العديد منها أن هناك فرص عمل في مجال الاستدامة، ويتحمل المزيد من الرؤساء التنفيذيين المسؤولية الشخصية في هذا السياق، ويضعون آليات جديدة لحوكمة الشركات، ويدمجون أهداف الاستدامة في تعويضات المجلس التنفيذي. وفي سياق التحدي المناخي الواسع النطاق، تتجه ألمانيا نحو دراسة حالة مثيرة للاهتمام بصورة خاصة، فنظراً لكون اقتصادها يعتمد على الصناعة بصورة مكثفة، تريد ألمانيا أن تصبح رائدة في إزالة الكربون دون أن تفقد قدرتها التنافسية الدولية، ويرى المدير التنفيذي الألماني العادي، أن التقدم لا يتأخر بسبب الافتقار إلى التقنيات الخضراء أو الدعم من أصحاب المصلحة الرئيسيين، ولكن بسبب التكاليف الأولية التي لا تزال مرتفعة، فبالنسبة إلى 60٪ ممن شملهم الاستطلاع، تظل الاستدامة والربحية على طرفي نقيض، ومع ذلك، فإن العديد من مشاريع الاستدامة الحالية تؤتي ثمارها بالفعل، وستستمر التكاليف في الانخفاض مع زيادة فرص زيادة مبيعات المنتجات المستدامة.

ويتطلب تحويل أساليب عمل الشركات ثلاثة أنواع من الإجراءات:

أولاً، هي بحاجة ماسة إلى تقليل أثرها السلبي على الكوكب والمجتمع، من خلال وقف الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية وتدميرها.

ثانياً، تحتاج إلى زيادة بصمتها الإيجابية من خلال استراتيجيات الأعمال الموجهة نحو الغرض على نطاق المنظومة (بدلاً من الربح فقط)، من أجل بناء المرونة، والمساهمة في أهداف التنمية المستدامة.

ثالثًا، تحتاج هذه الشركات إلى كسب حب جميع أصحاب المصلحة ودعمهم، وهنا، يمكننا جميعا التأثير، من خلال تغيير سلوكنا بصفتنا مستهلكين، ودعم السياسات الجريئة كناخبين، وخلق معرفة جديدة كعلماء، ووضع حوافز وأطر ذات مغزى كصانعي سياسات.

إن الشركات الألمانية التي شملها الاستطلاع خير مثال على عمل الشركات المستدام، إذ يستخدم بعضها “التوائم الرقمية الخضراء” في تطوير المنتجات لتقدير التأثيرات المناخية للمنتَج حتى قبل بناء النموذج الأولي، وتقوم أخرى بالإبلاغ عن “البصمة الكربونية للمنتج” من أجل توفير الشفافية للموردين والعملاء بشأن الانبعاثات، وتمكينهم من الاختيار بطريقة واعية بين البدائل. وتتعاون العديد من الشركات في مختلف القطاعات لإطلاق المشاريع المستدامة وتمويلها، وتقوم العديد من الشركات الألمانية الكبرى بتدريب الموظفين ليصبحوا “سفراء الاستدامة”، ويظهروا للآخرين كيفية اتباع استراتيجيات مماثلة.

ويجب أن تنتشر مثل هذه النماذج بسرعة، لأن الانتقال إلى عالم أكثر أمانا وصحة واستدامة، لا يتم بسلاسة، فلا يزال الاقتصاد العالمي يتشكل من خلال حوافز منحرفة تجعل تلويث المناخ والغلاف الحيوي وتدميرهما، وزعزعة استقراره أمورا مربحة، فنحن بحاجة ماسة إلى سياسات متوافقة مع علم المناخ توفر إطارا جديدا للأعمال، ولم تُقدم قمة 26 هذه السياسات، وربما لن تتمكن من ذلك أبدا، وستكون هناك حاجة إلى تنسيقات إضافية، بدءا من قمة مجموعة الدول السبع المقرر عقدها عام 2022 في ألمانيا، ويمكن أن يوقع الاتحاد الأوروبي على إعلان الولايات المتحدة والصين في غلاسكو، بل تشكيل “المجموعة 3 للمناخ” القائمة على العلم.

ولكننا نحتاج أيضا إلى أن تأخذ المزيد من الشركات على عاتقها مسؤولية اعتماد أهداف تستند إلى العلم، وهذا لا ينطبق فقط على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولكن أيضا على الحفاظ على الموارد المحدودة الأخرى، خاصة المياه، والتنوع البيولوجي، والغذاء، والتربة.

إن التحديات التي تنتظرنا هائلة، وكذلك هي الفرص، فنحن الآن في مرحلة تسريع الإجراءات، بعد أن أدركنا للتو مدى إلحاح هذه القضية، وستستمر ميزانية الكربون لدعم الحفاظ على الاحترار في مستوى 1.5 درجة مئوية (بمعدلات الانبعاثات الحالية) حتى نهاية هذا العقد، على الأكثر، ويجب أن نبدأ الآن بالحد من الانبعاثات في جميع القطاعات، وعلى جميع المستويات.

وكما تُظهر دراستنا، فإن قادة الأعمال يتماشون مع العلم ويُظهرون استعدادا لتغيير عملياتهم، والسؤال الآن هو ما إذا كان صانعو السياسات سيوفرون الإطار الضروري لضمان مستقبل آمن للجميع.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …