الشرق اليوم- تواصل دول عربية وغربية مطالبة رعاياها بمغادرة إثيوبيا فورا بينما تتهم أديس أبابا سفراء الدول الغربية بالمبالغة بشأن التطورات العسكرية في إقليم تيغراي، فيما تركزت تطورات اليوم على منطقة الفشقة الحدودية القريبة المتنازع عليها مع السودان.
فقد قال الجيش السوداني، في بيان: إن قواته المتواجدة في الفشقة الصغرى “تعرضت لاعتداء وهجوم من مجموعات للجيش والميليشيات الإثيوبية…تصدت قواتنا للهجوم بكل بسالة وكبدتهم خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات”.
لكن مصادر عسكرية سودانية قالت لرويترز إن “ستة قتلى من الجيش سقطوا في هجوم شنته قوات إثيوبية على موقع عسكري سوداني قرب الحدود بين البلدين”. وحتى الآن لم تصدر السلطات الإثيوبية تعليقا على ما حدث.
والخميس الماضي، قالت خدمة الاتصال الحكومية في إثيوبيا إن “نشر المعلومات عن المناورات العسكرية وتطورات المعارك والنتائج عبر أي وسيلة إعلام ممنوع” عدا المعلومات التي تقدمها القيادة المدنية-العسكرية المشتركة التي تشكلت للإشراف على حالة الطوارئ.
ويقول الباحث السياسي الإثيوبي موسى شيخو: إن المعلومات المتداولة إعلاميا في إثيوبيا تقول إن أفرادا بالجيش السوداني سمحوا بتسلل مسلحين من جبهة تحرير تيغراي فيما قامت أديس أبابا بـ”الرد المناسب” وقبضت على بعض من حاولوا التسلل؛ فوقعت اشتباكات مسلحة على الحدود مما أدى لمقتل عناصر بالجيش السوداني.
ويعلق الناشط السياسي من تيغراي، مصطفى حبشي، على ذلك قائلا: “هذا من المستحيلات لأن جماعات وقوات موالية لرئيس الوزراء أبي أحمد، فضلا عن مرتزقة إريتريين، يسيطرون على طول الشريط الحدودي مع السودان”.
وكانت واشنطن فرضت عقوبات استهدفت إريتريا لدورها في الحرب المستمرة في جارتها إثيوبيا.
ويطالب كل من السودان وإثيوبيا بمنطقة الفشقة الزراعية الخصبة، حيث يعمل مزارعون إثيوبيون يستعدون لموسم الحصاد حاليا، بحسب شيخو.
وظلت القوات السودانية خارج الفشقة حتى اندلاع النزاع في إقليم تيغراي في نوفمبر 2020، لكنها عادت إليها من أجل “استعادة الأراضي المسروقة”.
تصعيد عسكري
وتأتي هذه التطورات في وقت قال فيه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن يشعر بقلق بالغ إزاء التصعيد العسكري في إثيوبيا، داعيا إلى إجراء مفاوضات عاجلة بشأن الأزمة.
وكانت بيليني سيوم المتحدثة باسم رئيس الوزراء الإثيوبي اتهمت وسائل الإعلام الدولية بالمبالغة في إثارة القلق في تغطيتها لإثيوبيا رغم أن أديس أبابا تحد من المعلومات المتاحة لوسائل الإعلام عن الحرب.
والأسبوع الماضي، قالت الحكومة الأيرلندية إن إثيوبيا طردت أربعة من ستة دبلوماسيين أيرلنديين بسبب موقف بلدهم من الصراع.
كما حذر متحدثون باسم الحكومة الإثيوبية من تهديدات خارجية لم يحددوها، ودأبوا على انتقاد الحكومات الغربية بسبب ما يقولون إنها تغطية غير دقيقة للحرب.
ويتحدث شيخو عن تهويل الأخبار المتعلقة بتقدم جيهة تحرير تيغراي نحو حصار أديس أبابا، مشيرا إلى تحذير أصدرته وزارة الخارجية الأميركية بشأن “هجمات إرهابية” متوقعة.
ومنذ أكثر من عام، تدور حرب بين حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد والقوات المتمردة في إقليم تيغراي شمال البلاد، في صراع تسبب في مقتل الألوف وتشريد الملايين في ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان.
تتعدد السيناريوهات المتوقعة لمستقبل إثيوبيا كدولة موحدة، وجيرانها في القرن الأفريقي، في ظل رغبة إقليم تيغراي في نيل حق تقرير المصير، وذلك بعدما نفى المتحدث باسم جبهة تحرير شعب تيغراي أن تكون أديس أبابا “هدفا” لمقاتليها، مؤكدا سعي الإقليم في تقرير مصيره.
ويرى شيخو أن تحذير أمريكا يوحي بأن الوضع خرج عن السيطرة في أديس أبابا، “إلا أن هذا يخالف الواقع، فالحياة طبيعية ولا يوجد أي تهديد”.
إلا أنه “قبل ثلاثة أيام استطاعت قوات تيغراي تحرير ثلاث مدن داخل إقليم أمهرة، فضلا عن التوغل في إقليم عفر، لتلحق خسائر بالقوات الإثيوبية؛ تمثلت في الاستيلاء على حوالى 555 قطعة سلاح مختلفة ومخزن للأسلحة، وأسر 61 عنصرا وقتل 1555 آخرين، فيما أصيب 1142 جريحا”، كما يزعم حبشي.
وفي ظل تكتم حكومي عن مجريات الأحداث على الأرض، لم يتم التأكد من صحة ما يقوله حبشي.
ويدلل حبشي على قوات تيغراي بتحذير العديد من الدول العربية والأوروبية رعاياها، ومطالبتهم بمغادرة العاصمة فورا.
والجمعة الماضية، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن انتشار الصراع في إقليمي عفر وأمهرة المتجاورين يعني أن 9.4 مليون شخص سيكونون بحاجة إلى مساعدات غذائية كنتيجة مباشرة للصراع المستمر. وأضافت المنظمة أن أكثر من 80 في المئة من المحتاجين للمساعدات خلف خطوط القتال.
فشل المفاوضات
وجاءت تصريحات بلينكن بعد ساعات من ظهور رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، بملابس عسكرية على جبهة القتال مع الجيش الوطني، قائلا: “لن نتزحزح حتى ندفن العدو ونضمن حرية إثيوبيا”.
ويرى شيخو توجه رئيس الوزراء إلى جبهة القتال لإدارة المعركة يأتي في سياق الرد على تصعيد جبهة تحرير التيغراي.
ولنحو 30 عاما قادت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ائتلافا حكم إثيوبيا، لكنها فقدت نفوذها عندما تولى أبي السلطة في 2018 بعد احتجاجات مناهضة للحكومة استمرت سنوات.
وتدهورت العلاقات مع التيغراي بعد أن اتهمت الجبهة أبي بأنه يحكم البلاد مركزيا على حساب الأقاليم الإثيوبية. وينفي أبي الاتهام.
والثلاثاء الماضي، حذر المبعوث الأمريكي الخاص جيفري فيلتمان من زيادة “مقلقة” في العمليات العسكرية، قائلا: إن كلا من أبي وقوات تيغراي يعتقد فيما يبدو أنه على أعتاب تحقيق نصر عسكري.
غير أن شيخو يقول: إن الحكومة تفاعلت، في الأسابيع الماضية، مع فيلتمان وكذلك الاتحاد الأفريقي ووافقت على أهم شرط لجبهة تحرير التيغراي وهو فتح الممر الإنساني.
وأضاف: “الآن تتدفق المساعدات عبر ثلاث مطارات، أحدها في عمق إقليم تيغراي، كما أفرجت عن بعض الموظفين الأممين كبادرة حسن نية”.
لكن حبشي ينفي سماح الحكومة بدخول المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيغراي في ظل أوضاع معيشية “سيئة جدا”.
وقال: “أنا شخصيا على علم بوفاة العديد بسبب نقص أو عدم توفر الدواء أو الأكسجين، فضلا عن معاناة المصابين بالفشل الكلوي، بينما تنتشر أمراض مستعصية لا يمكن للمصاب بها الانتظار ولو ساعة”.
وفي وقت سابق من نوفمبر الجاري، اعتقلت السلطات الإثيوبية شخصيات بارزة من أبناء إقليم تيغراي من مدير تنفيذي لأحد البنوك إلى رجال دين بالإضافة إلى موظفين يعملون لدى الأمم المتحدة، في حملة اعتقالات واسعة النطاق لمن يشتبه في أنهم من أنصار المتمردين من الإقليم الشمالي.
وبعد تحرير الموظفين الأممين، كما يزعم شيخو “كانت الحكومة بانتظار الرد المماثل من جبهة تحرير تيغراي لكن ما حدث هو التصعيد ومحاولة سيطرتها على الكثير من المدن”.
وردا على ذلك يقول حبشي إن جبهة تحرير تيغراي أرادت تدخل المجتمع الدولي والأمم المتحدة لحل النزاع، وأرسلت أكثر من 70 خطابا للعديد من المنظمات للتدخل قبل تفاقم الأزمة بينما لم يتجاوب المجتمع الدولي.
وأضاف: “بعدما شعرت الحكومة بأنها على وشك السقوط وقوات تيغراي على بعد 180 كم من العاصمة، تريد الآن التفاوض”.
ويؤكد حبشي أن الجبهة “لا تريد تفاوضا بل إسقاط نظام أبي أحمد، وفقا للقرار الذي اتخذته بالتعاون مع تحالف جديد”.
وفي وقت سابق من نوفمبر، تشكل تحالف جديد مؤلف من تسعة فصائل مناهضة للحكومة الإثيوبية، أطلق عليه اسم “الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفيدرالية الإثيوبية”، قال إنه يهدف إلى إسقاط حكومة أبي أحمد سواء بالقوة أو بالمفاوضات وتشكيل حكومة انتقالية.
دفن الأعداء
ومن الجبهة الأمامية للقتال، نشر أحمد، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام في 2019، تصريحاته للتلفزيون بلغتي أوروميا وأمهرة المحليتين على حسابه بتويتر، بينما كان يرتدي زيا عسكريا.
وبعد عام من عمليات عسكرية واتهامات بارتكاب انتهاكات إنسانية، ينظر البعض بريبة لجائزة نوبل للسلام التي حصل عليها أبي، قبل عامين، لنجاحه في تسوية نزاع بين إثيوبيا وإريتريا بعد فترة طويلة من الصراع.
وكانت هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها أبي عن دفن الأعداء، ففي كلمة ألقاها خلال فعالية في مقر للجيش بأديس أبابا، في وقت مبكر من هذا الشهر، قال: “الحفرة التي تم حفرها ستكون عميقة جدا، وستكون حيث يدفن الأعداء وليس حيث تتفكك إثيوبيا”.
وفي المقابل هددت قوات تيغراي وحلفاؤها بالزحف نحو العاصمة أديس أبابا. كما أنهم يقاتلون بشراسة في مسعى لقطع ممر النقل الرابط بين إثيوبيا، التي لا تطل على بحار، وميناء جيبوتي الرئيسي في المنطقة.
إلا أن شيخو يعتقد أن أبي قادر على دفن أعدائه، قائلا: “الجيش الإثيوبي بكامل قواه ويستطيع حسم الأمر عسكريا، أما التراجع الذي طرأ على علمياته فكان سببه استخدام جبهة تحرير تيغراي المواطنين كدروع بشرية وتعمد التسلل إلى داخل المدن، الأمر الذي من الصعب تنفيذ ضرباب خوفا على سلامة المدنيين”، على حد زعمه.
وفي المقطع المصور الأحدث له، ظهر أبي وهو يرتدي قبعة ونظارة شمسية، وقال: “ما ترونه هناك هو جبل سيطر عليه العدو حتى أمس. والآن تمكنا من السيطرة عليه بالكامل”، متعهدا بفرض السيطرة على مدينة تشيفرا على الحدود بين إقليمي تيغراي وعفر.
ووفقا لشيخو، فقد شهد الوضع العسكري على الأرض تقدما كبيرا لصالح قوات الحكومة على جميع الجبهات، بما في ذلك الطريق الرابط بين جيبوتي وأديس أبابا، “منذ توجه رئيس الوزراء للجبهة الأمامية للقتال مع الجيش”.
ومضى يقول: “أصبح من المستحيل سيطرة التيغراي على هذا الطريق الرئيس، فضلا عن إخراج الجبهة من كامل مناطق العفر (…) لكن مع هذا التقدم لا تزال الحكومة الإثيوبية تمد يدها بالسلام وتناشد التفاوض السلمي”.
غير أن الحبشي يقول حديثا مناقضا لذلك، فهو يؤكد أن دفة القتال تتحول لصالح جبهة تحرير تيغراي وحلفائه.
وقال: “من يدقق في الفيديو جيدا سيكتشف أن هذه المنطقة بعيدة عن الجبهة الأمامية للحرب، أبي يظهر وهو لا يحمل سلاحا، وكذلك الحال بالنسبة لبعض القوات من حوله، الوضع بدا طبيعيا”.
كما نفى السيطرة الحكومية على الطريق الرابط بين أديس أبابا وجيبوتي، قائلا: “هذه المناطق يندلع بها مناوشات وكر وفر بين القوات النظامية والتيغراي”.
المصدر: الحرة