الرئيسية / مقالات رأي / العراق ومعضلة الالتزام

العراق ومعضلة الالتزام

بقلم: رشا العزاوي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- يجادل العلماء بأن القضية الرئيسية التي تفسر استمرار النزاعات داخل الدول وفي ما بينها هي مشكلة الالتزام. وفقًا للعالم السياسي روبرت باول، تنجم النزاعات عن “تحولات في توزيع السلطة بين المقاتلين الذين لا يستطيعون الالتزام بتوزيع الكعكة المحلية”.

أدى الإرهاق العام من استمرار الاحتجاجات على حكومة المخلوع عادل عبدالمهدي الفوضوية، وفشل لجان التحقيقات المختلفة (سواء كانت بلا جدوى أم لا) في عهد خلفه مصطفى الكاظمي، والدراما المتنوعة في مواجهة الفصائل المسلحة التي لم تؤت حتى بعد قرابة عامين ثمارها، إلى حملة مقاطعة واسعة للانتخابات العراقية. غير أن 60 في المئة من العراقيين المؤهلين للمشاركة في الانتخابات تجنبوا أيضا دعم المرشحين المستقلين أو أولئك الذين شاركوا في احتجاجات تشرين وعرفت عنهم المقاومة الغاضبة لسياسات الجماعات المقربة من إيران.

فاز مقتدى الصدر بالانتخابات في نتائج أولية، قدم سلسلة وعود عشية انتصاره غير المؤكد بعد، وقال إنه سيسعى للقضاء على الميليشيات، لم يَطلب منه أبرز المتفائلين به بناء دولة مؤسسات، لكنه وعد بذلك أيضا.

لم يشتر أحد حفنة الوعود الرائعة التي أطلقها الصدر عشية تنصيبه، لكن وقوفه بالضد من فصائل مسلحة عُرف عنها قربها من إيران وفر له شيئا من الدعم الداخلي، وتمكن من استقطاب شريحة من العازفين عن المشاركة في الانتخابات التي اهتمت أخيرا بمعرفة ما ستؤول إليه نتائج المواجهة بين مقتدى والفصائل المسلحة المدعومة إيرانيا، بالإضافة إلى الدعم الخارجي للانتخابات الذي يفسره مقتدى على أنه دعم شخصي له كونه الفائز بنتائج انتخابات مدعومة دوليا، على علم الجميع بتاريخه الحافل بالتقلبات السياسية وانخراطه شخصيا في قيادة واحدة من أكبر الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون في العراق، والمتهمة بجرائم إبادة جماعية وانتهاك حقوق الإنسان وتياره الديني الذي تعارضه شريحة كبيرة مثلت غالبية الشباب المشاركين في احتجاجات تشرين 2019، والذين وصفهم مقتدى بالانحلال والفجور وعبارات أخرى توحي بنيته تأصيل المد الإسلامي الشيعي المتشدد في البلاد حال تسلمه السلطة.

مقارنة السيء بالأسوأ ينتصر فيها الأول ضمن صراع طرفه قوى موالية لإيران وآخر يزعم وقوفه بالضد منها، لكنه يبقى سيئا على كل حال، خاصة وأن القوى السنية والكردية الفائزة تنأى بنفسها عن إلزام الطرف الشيعي الفائز أيا كان بوعوده التي تبدو موجهة للاستهلاك الإعلامي فقط.

اليوم يتحمل العراقيون زيادات في الأسعار على أعلى مستوى سنوي منذ ثلاثة عقود، تراجع في العملة، وانهيار أمني على جميع الأصعدة، ووباء لا يزال يسجل إصابات هي الأعلى في الشرق الأوسط ما لم نقل العالم أيضا وجدول أعمال تشريعي معطل حتى إشعار يأذن فيه المختلفون سياسيا بإعلان برلمان وحكومة جديدين.

شهد العراق الكثير من النزاعات المدمرة بين أطرافه السياسية المختلفة قوميا وطائفيا ولم يأت الدعم الدولي لأي من المتصارعين بنتائج إيجابية على أرض الواقع، إذ اعتمدت الجهات الفاعلة استراتيجيات المساومة التي تفشل في الاعتراف بشرعية مزاعم بعضها البعض وحقوق الشرائح التي تمثلها.

يجب أن تركز جهود السلام التي يبذلها المجتمع الدولي في العراق على الأهداف الفورية التي تعالج مشكلات الأمن والطاقة والوباء في العراق، يجب أن يتجنب العالم إغراء الانخراط في جهود تفاوضية ضيقة التركيز بين الفرقاء الشيعة بزعم أن فائزا فيهم سيحقق مصالح العراقيين العليا على حساب مكاسب خاصة أو انتماء إلى أجندة خارجية لأن ذلك لن يحدث.

يتعين على صانعي السياسة في مجلس الأمن والعواصم الأخرى الفاعلة في العراق قبول فكرة أنه لم يعد هناك حل جزئي للنزاعات بين الفرقاء السياسيين الشيعة، أو في نزاعهم مع الشارع الناتج عن تركة فشل ضخمة على مدى 18 عاما ويبحثون جديا عن حلول أخرى تجنب العراق طريق انهيار محتمل.

في هذه المرحلة، لن تنجح الجهود المحلية أو الأممية لدفع أحد الطرفين (الصدر أو الإطار التنسيقي) للتفاوض لتشكيل حكومة. يجب أن يضطلع المجتمع الدولي بثقله المالي والدبلوماسي – جوهريًا وليس بالكلام وحده – خلف حل شامل للمشاكل التي تعاني منها البلاد المهددة بالانهيار الكلي وليس بالانشغال في تغليب مصالح الأحزاب السياسية المرفوضة في الشارع.

من الصعب تخيل حل دائم مدعوم دوليا لا يأخذ في الاعتبار المطالب والمصالح المشروعة لـ60 في المئة من العراقيين المقاطعين للانتخابات، أو من العراقيين المشاركين في الاحتجاجات الشعبية عام 2019.


شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …