بقلم: علي قباجه – الخليج
الشرق اليوم- بدأت أوروبا معركتها في مواجهة الموجة الخامسة من فيروس «كورونا» الذي اجتاح القارة، ووجه لها ضربات قاصمة، بعدما ظنت دولها أنها استطاعت حصر الوباء، لتفتح اقتصاداتها وحدودها، وتخفف الإجراءات، وهناك من رفعتها تماماً، ليكون ذلك الثغرة التي ولج منها «الخبيث»، ليجعل من القارة بؤرة للجائحة.
منظمة الصحة العالمية حذرت من أن أوروبا عادت مرة أخرى، لتصبح بؤرة لتفشي الوباء، وقالت إن القارة قد تشهد نصف مليون حالة وفاة بحلول فبراير/ شباط، بينما الإصابات اليومية في أعلى مستوياتها منذ انتشار الفيروس مطلع 2020، وأرجعت سبب هذه الكارثة إلى عدم رفع عدد حالات التطعيم بالشكل الكافي، إضافة إلى التفاوت بين الدول في نسب التلقيح. فبينما حصل نحو 80 في المئة في إسبانيا على جرعتين من اللقاح، لا يزال معدلّ التطعيم في فرنسا أقل، مسجلاً 68 في المئة، وكذلك في ألمانيا التي سجّلت 66 في المئة فقط، لذا فإن الإصابات في جميع أنحاء أوروبا ارتفعت خلال الأسابيع الأربعة الماضية إلى نحو 55 في المئة، على الرغم من وجود اللقاحات.
معضلة التفشي هذه، تأتي في ظل مشكلات جمة تحيط بأوروبا على الصعد كافة، بدءاً مما خلفه الفيروس من اقتصادات متعبة وانتشار للبطالة والفقر، وخسائر بالمليارات، مروراً برفض الناس للإغلاقات الجديدة التي بدأت تعود إليها الدول، لأن تطبيقها من جديد يزيد من خنقهم ويراكم مأساتهم في ظل عدم اليقين حول مستقبلهم المعيشي والوظيفي والغلاء الفاحش الذي أصاب قوتهم، وليس أخيراً بالأزمات السياسية التي أصبحت لا حصر لها، كالصراع الروسي الغربي، ومشكلة المهاجرين، وغيرها، إضافة إلى الخلافات البينية بين الدول التي من شأنها إضعاف طاقات التكتل في مواجهة الوباء الذي يعد التحدي الأبرز الآن.
رغم السعي الأوروبي إلى وضع خطط للتعافي لما بعد «كورونا»، ووضع ميزانية ضخمة لدعم الدول المتضررة، خاصة بعد وضع مزر وهش، وتحقيق بعض الدول نمواً وإن كان محدوداً، فإن هذه الموجه تهدد كل الجهود الكبيرة التي حاول التكتل تجاوزها في الأسابيع الماضية، بعد ارتفاع نسب التضخم والاضطرابات المتعلقة بسلاسل التوريد التي يعانيها العديد من الاقتصادات، بما في ذلك اقتصادات كبرى حول العالم.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فمؤخراً أُعلن عن متحور جديد مصدره جنوب إفريقيا، لتلجأ الدول الأوروبية إلى مضاعفة القيود، ومنع السفر إلى العديد من دول القارة السمراء، فالمفوضية الأوروبية اقترحت تعليق الرحلات الآتية من جنوب القارة، بسبب رصد المتحور الجديد، لتتراكم المشكلات مرة أخرى على أوروبا، التي أضحت منهكة في أكثر من صعيد.
أوروبا بحاجة راهناً إلى تجنب الخلافات البينية، وإطلاق خطط دعم فعالة، لمساعدة الدول التي تكون في أمسّ حاجة إليها، وعدم التهاون في محاربة الفيروس وتحوراته، لأن ذلك كفيل بإبقاء الأمور على سوئها، فمن المهم الموازنة بين التصدي للجائحة، والانفتاح الاقتصادي المتدرج المحسوب، كي تخرج القارة بأقل خسائر ممكنة.