بقلم: مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – هناك علاقة واضحة بين الاستقرار في سوق الطاقة العالمي، ولا سيما سوق الغاز، وبين النمو الذي يحققه اقتصاد العالم، دولاً وأقاليم. وهذه العلاقة طردية الاتجاه وقوية الأثر، فهي طردية لأنه كلما استقرت أحوال سوق الطاقة، ساهم ذلك في نمو معدلات الربحية للأنشطة الإنتاجية القائمة، وزادت الجدوى الاقتصادية المتوقعة من الاستثمارات الجديدة، لتكون المحصلة ارتقاءً مطرداً في النمو الاقتصادي العالمي.
كما أن هذه العلاقة قوية الأثر، لكون تكاليف الطاقة تشكل حصة حاكمة في هيكل نفقات الاستثمار والتشغيل والإنتاج في اقتصادات العالم كافة. ولما كان الغاز الطبيعي يمثل عصب العديد من القطاعات الإنتاجية الرئيسية، كالنقل والكهرباء والتدفئة والصناعة، فإن الاستقرار في سوقه العالمي ينعكس مباشرة على أداء هذه القطاعات وتطورها، بما لذلك من آثار عالمية ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية وبيئية وعسكرية أيضاً. وبالنتيجة، فإن الوقوف على محددات الاستقرار في سوق الغاز العالمي يكتسب الآن أهمية فائقة، وخصوصاً مع المحاولات الحثيثة للتعافي العالمي من آثار جائحة كورونا وتبعاتها. ونقطة البداية في معرفة محددات الاستقرار في سوق الغاز العالمي هي تفحص وتحليل المحددات الاقتصادية لجانبي العرض والطلب في هذا السوق.
فعندما تزداد الاحتياطات المؤكدة من الغاز من خلال التوسع في أنشطة الاستكشاف، وحالما ترتقي مؤشرات الإنتاجية عبر تطوير تكنولوجيا الإنتاج، يستقر المعروض في السوق العالمي، وتتراجع مخاطر سلاسل الإمداد العالمية للغاز. وبالإضافة إلى محددات العرض، تلعب أنشطة استهلاك الغاز دوراً أساسياً في التأثير على جانب الطلب، ذلك أن تكنولوجيا الاستهلاك والتخزين والسياسات الحكومية ومدى كفاية مصادر الطاقة الجديدة تتضافر جميعاً لتكوّن أبرز محددات الطلب في السوق العالمي للغاز.
وفضلاً عن ذلك، فإن الجغرافيا الاقتصادية والعوامل الجيوسياسية وخريطة أنابيب الغاز تمثل محددات رئيسية للتأثير على سوق الغاز العالمي بشكله الراهن. وبطبيعة الحال، فإن التفاعل المستمر بين المحددات السابقة لسوق الغاز لا يؤثر في السعر العالمي للغاز وحده، صعوداً ونزولاً، بل يمكنه تفسير جانب مهم من الصراعات والنزاعات الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
فبينما يُعزَى التقلب الصاعد في سعر الغاز الطبيعي بأسواق استهلاكه الرئيسية في آخر ثلاث سنوات إلى تغير محدِّد واحد أو أكثر من تلك المحددات، فإن احتدام الخلافات الاقتصادية «الروسية-الأوروبية» من جانب، والخلافات «الأوروبية-الأميركية» من جانب آخر، أو حتى التنافس الشديد في إقليم شرق البحر المتوسط – كلها راجعة لضخامة سوق الاستهلاك الأوروبي للغاز، وللقرب الجغرافي للغاز الروسي وغاز شرق المتوسط من هذا السوق.
وينبئ ذلك أيضاً بأن سوق الغاز العالمي على موعد مع تطورات شديدة التسارع في المستقبل المنظور. التطورات المحتملة في سوق الغاز العالمي تؤكد أن تضافر الجهود العالمية للتأثير الإيجابي في محددات هذا السوق، يعد ضمانة أساسية لسوق غاز عالمي مستقر يعزز التوجهات التنموية العالمية.