بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تنطلق في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل انتخابات الرئاسة في ليبيا، وهي تمثل التجربة الأكثر إثارة للجدل، والأشد تعقيداً في منظومة ونسق انتقالات السلطة منذ سقوط الرئيس السابق معمر القذافي الذي ظل يحكم ليبيا منذ عام 1969، حتى إطاحته وقتله وسط ظروف فوضوية في عام 2011. وبينما يعد المراقبون انتخابات ديسمبر المقبل، بالغة الأهمية وتتويجاً لمسار طويل ومتعرج نحو الاستقرار، إلا أن هذه العملية قد لا تكون الخاتمة السعيدة المرجوة، فهناك العديد من الإشكاليات والارتباكات لا تزال ماثلة بقوة وتمارس تأثيراتها على المشهد برمته.
وبالتأكيد فإن من المشكلات الظاهرة في قضية الانتقال السلمي الديمقراطي في ليبيا وجود الميليشيات المسلحة التي تدين بالولاء لأطراف مختلفة، ويزداد هذا الموقف المربك تعقيداً مع وجود الأعداد الكبيرة من القوات الأجنبية والمرتزقة الذين كان وجودهم عاملاً من عوامل تعقيد الصراع الشائك أصلاً بين الفرقاء، وأصبح استمرار وجودهم عقبة أمام توفير ضمانات التقدم الآمن للعملية السياسية.
هذه واحدة فقط من المشكلات التي تمثل مشكلة وعائقاً أمام إجراء الانتخابات في المقام الأول، وهي قد تكون سبباً في حدوث فوضى سلاح، واقتتال في حال رفضت بعض الأطراف الاعتراف بنتائج الانتخابات. وفي محاولة لاحتواء التأثيرات المحتملة لهذه القنبلة الموقوتة تعمل الأمم المتحدة مع اللجنة العسكرية الليبية (5+5)، وبالتعاون مع دول الجوار والشركاء على تصميم موديلات وتقديم مقاربات تمزج بين تقديم الحوافز والتهديد بالعقوبات، وهي مهمة صعبة بالنظر إلى طبيعة الوجود الأجنبي المسلح في ليبيا وعلاقاته المتشابكة.
هذه قضية من الوزن الثقيل، لكن التعاون الدولي وتفاهمات الأطراف الداخلية يمكن أن تبطل مفعولاتها. غير أن أموراً خفيفة الوزن قد تمثل عوائق خاصة ما يتصل منها بالاستحقاق الرئاسي. والإشارة هنا إلى الجدل القانوني المحتدم حول إمكانية استبعاد أسماء مرشحين بارزين للفوز بمنصب رئيس الدولة.
ويأتي في مقدمة هؤلاء نجل القذافي سيف الإسلام، وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي دخل السباق بعدما كان أعلن في وقت سابق زهده في المنافسة على منصب الرئيس.
والمشكلة هنا أن قضية الرفض قد يُفهم منها أنها تدخّل في شكل من أشكال المنافسة بين الفرقاء، كما أن القبول الشامل لأوراق المرشحين يكون ثمنه تجاهل القواعد القانونية، وهما أمران قد يعقدان العملية برمتها. وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات استبعاد 25 مرشحاً بعد انتهاء الفترة القانونية للترشيح.
الجانب الثالث وهو أقل أهمية بكثير يتمثل في العدد الكبير من المرشحين لسباق الرئاسة. وتعد القوائم الطويلة للانتخابات ظاهرة معتادة في المنطقة، وهي ظاهرة مثيرة للدهشة لأن أغلب المرشحين هم شخصيات مغمورة غير معروفة وليس لديها قاعدة اجتماعية ولا تستند إلى أحزاب قوية أو سند عشائري.
وعلى الرغم من أن مثل هذه الظواهر لا تؤثر كثيراً في سلامة العملية الانتخابية، فإنها تثير أسئلة جدية حول تطور الثقافة الديمقراطية في مجتمعاتنا.