افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تأخذنا دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لحوالي 110 دول للمشاركة في قمة افتراضية حول الديمقراطية يعتزم تنظيمها في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، للتساؤل حول أسباب هذه الدعوة وأهدافها، وأيضاً، هل إن الولايات المتحدة مؤهلة في الأساس لأن تقود سفينة الديمقراطية في العالم وتبشر بها؟
الديمقراطية بمعناها البسيط وفق التعريف اليوناني الأساسي لها هي «حكم الشعب بالشعب». ثم تطور مفهوم الديمقراطية ليأخذ أشكالاً شتى وفق ما ترتئيه الدول حسب مصالحها وما يشكل نظامها السياسي. وكان للولايات المتحدة أن اتخذت النظام الديمقراطي الذي يناسبها والذي يقوم على النظام الرئاسي، وتتوزع فيه الصلاحيات على الرئيس والكونجرس والمحاكم الفيدرالية، أما نظامها الانتخابي، وخصوصاً انتخاب الرئيس فهو معقد. وتخضع الانتخابات على مستوى الكونجرس والرئاسة لقوة اللوبيات التي تتحكم من خلال تأثيرها السياسي والمالي بنتائج أية انتخابات، وهذه اللوبيات تحول دون تمكن أية قوة سياسية غير الحزبين الجمهوري والديمقراطي من تحقيق أي نجاح.
إن ديمقراطية تقوم على المصالح والنفوذ والمال هي ديمقراطية منقوصة، كما يؤكد ذلك الكثير من المفكرين والباحثين الأمريكيين. ويقول نيل لويس المراسل الدبلوماسي لصحيفة «نيويورك تايمز» في هذا الصدد «إن الانتخابات التشريعية وحتى الرئاسية المعتمدة في البلاد، والتي تخضع لاعتبارات عديدة، لا يمكن لأشخاص مهما كانت مكانتهم أن يغيروا منها».
ومع ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى تصدير «ديمقراطيتها» إلى العالم باعتبارها نموذجاً يجب أن يُحتذى، كما حاولت وفشلت هنا في الشرق الأوسط خلال عهد الرئيس الأسبق جورج بوش. ولعل نموذج ما فعلته في العراق وأفغانستان بعد غزوهما بذريعة نشر الديمقراطية وتخليصهما من الدكتاتورية والإرهاب يقدم لنا درساً عن الديمقراطية التي تريدها. من دون أن يغيب عن أذهاننا أن الولايات المتحدة كانت وما زالت تدعم أنظمة ديكتاتورية في حديقتها الخلفية في القارة الأمريكية وفي مختلف القارات، فيما تعادي أنظمة ديمقراطية لأنها تختلف معها سياسياً.
اللافت أن بايدن دعا العديد من القادة غير الديمقراطيين إلى قمته واستثنى آخرين ديمقراطيين في خطوة استنسابية تعبّر عن المصالح الأمريكية فقط، وليس حباً بالديمقراطية.
اللافت أيضاً أن بايدن لم يوجه الدعوة إلى الصين وروسيا ليس لأنهما لا تلتزمان بالمعايير الديمقراطية الأمريكية ولهما نهجهما الديمقراطي الخاص، بل لأنهما في المفهوم السياسي الأمريكي يعتبران دولتين معاديتين ليس من حقهما المشاركة في مؤتمره الديمقراطي.
روسيا بادرت إلى اعتبار هذه القمة محاولة أمريكية جديدة «لتقسيم العالم بين جيد وسيئ»، واتهم المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف واشنطن بالسعي «لفرض مفهومها للديمقراطية على دول أخرى، وخصخصة هذا المصطلح». فيما أعلنت بكين معارضتها لهذه القمة، لأن تايوان مدعوة إليها باعتبار «أن تايوان لا مكانة لها في القانون الدولي غير مكانتها كجزء لا يتجزأ من الصين».