By: Eric Lipton & Dionne Searcey
الشرق اليوم – في عام 2016، استحوذت شركة صينية على منجم للكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية يعدّ أحد أكبر مناجم الكوبالت في العالم، في إطار صفقة أبرمتها مع شركة “فريبورت ماكموران” العملاقة للتعدين التي يقع مقرها في أريزونا.
إن هذا المعدن الثمين النادر يُستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وهو يلعب الآن دورا بالغ الأهمية في الحد من استهلاك الوقود الأحفوري المسؤول عن تغير المناخ.
دق الدبلوماسي الأميركي الكبير في أفريقيا في ذلك الوقت توم بيرييلو، ناقوس الخطر في وزارة الخارجية، عبر رسائل بريد مستعجلة ومكالمات هاتفية والتماسات، وسعى المدير العام الكونغولي للمنجم آنذاك أندري كابانغا إلى دفع السفير الأميركي في الكونغو للتدخل، حيث حذره من أنهم يرتكبون “خطأ فادحا” من خلال التفريط بأجيال من الاستثمار في العلاقات الدبلوماسية مع الكونغو، التي تعتبر مصدر أكثر من ثلثي الاحتياطي العالمي من الكوبالت.
منذ عهد الرئيس دوايت أيزنهاور، أرسل رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون مئات الملايين من الدولارات في شكل مساعدات -بما في ذلك طائرات النقل والمعدات العسكرية الأخرى- إلى الدولة الغنية بالمعادن، ومن ثم تدخل الرئيس ريتشارد نيكسون، ومن ثم وزارة الخارجية في عهد هيلاري كلينتون، للحفاظ على العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد استثمرت شركة “فريبورت ماكموران” (Freeport McMoRan) مليارات الدولارات في الكونغو قبل بيع المنجم إلى الشركة الصينية.
إن شركة “تشاينا موليبدينوم” (China Molybdenum) الصينية تمكنت من الاستحواذ على شركة التعدين المعروفة باسم “تنك فانغورام” خلال الأشهر الأخيرة من إدارة أوباما، وشراء أحد أكبر مناجم الكوبالت من شركة “فريبورت ماكموران”، دون أن تواجه أي عوائق.
وفي الواقع، فإن سعي الصين وراء ثروة الكوبالت في الكونغو منحها الأسبقية على الولايات المتحدة في سباق الهيمنة على صناعة السيارات الكهربائية، التي باتت تمثل المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي.
لكن هناك تاريخا خفيا لعمليات الاستحواذ على مناجم الكوبالت، حيث تنازلت الولايات المتحدة عن موارد ثمينة لصالح الصين، لتفشل في حماية عقود من الاستثمارات الدبلوماسية والمالية في الكونغو.
إن بيع هذين المنجمين الغنيين أيضا بالنحاس للصين يسلط الضوء على التحول الجغرافي والسياسي لثورة الطاقة النظيفة، حيث أصبحت الدول الغنية بالكوبالت والليثيوم وغيرها من المواد الخام اللازمة في صناعة البطاريات، تلعب دور عمالقة النفط.
لقد خسرت الولايات المتحدة هذه المناجم على مرأى من الرئيسين: باراك أوباما الذي كان كل اهتمامه في ذلك الوقت مركزا على حرب أفغانستان والتصدي لتنظيم الدولة، ودونالد ترامب المعروف بتشكيكه في جدوى قضايا تغير المناخ المرتبط بالوقود الأحفوري والقوى الانتخابية التي تقف وراءها.
وعلى مدى عقود، كانت الولايات المتحدة قلقة من أن يسيطر الاتحاد السوفياتي على النحاس والكوبالت واليورانيوم في الكونغو، والمعادن الثمينة الأخرى المستخدمة في الصناعات الدفاعية. وكان تأمين المصالح الأميركية على رأس أولويات البيت الأبيض، وموضوع تدخلات مكثفة من قبل وكالة المخابرات المركزية.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يعد احتواء الشيوعية محور اهتمام الإدارات الأميركية، سواء الديمقراطية والجمهورية، وتم خفض المساعدات المالية السخية التي ساعدت الشركات الأميركية على القيام بأعمال تجارية في الكونغو، وذلك ما تظهره الوثائق والمقابلات التي كشفت عنها الصحيفة، وفي أفريقيا على وجه الخصوص، ركزت الولايات المتحدة على قضايا حقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة. أما على الصعيد العالمي -وتحديدا بعد عام 2001- أصبحت الحرب على الإرهاب هي القضية الرئيسية.
وأوضح بيرييلو أن المشاريع الأميركية في الكونغو لم تخدم مصالح الولايات المتحدة فحسب، بل كانت مفيدة أيضا لشعب الكونغو، وكانت شركة “فريبورت ماكموران” توظف الآلاف من الكونغوليين، وتبني المدارس والعيادات الطبية، وتوفر للسكان المياه الصالحة للشرب. وأكد بيرييلو أنه ناقش الأمر أيضا مع مجلس الأمن القومي، في محاولة لضمان بقاء منجم الكوبالت تحت أيدي الأميركيين.
مع ذلك، كانت الشركات الصينية الوحيدة التي قدمت عروضا جادة، حيث قالت كاثلين كويرك رئيسة شركة “فريبورت ماكموران”، في مقابلة لها: “لقد كانوا أسرع من أي جهة أخرى، لذلك أتممنا الصفقة”، كان على الشركة الأميركية بيع المنجم بسبب خسارتها الرهان الذي وضعته على صناعة النفط والغاز قبل هبوط أسعار النفط وبداية تحول العالم نحو الطاقة المتجددة، ومع تراكم الديون لم تجد الشركة خيارا سوى إنهاء عملياتها في الكونغو.
خلال العام الماضي، ومع تسارع الانتقال إلى الطاقة النظيفة، عملت الحكومة الأميركية والقطاع الخاص على تلافي أخطاء الماضي بسرعة، من خلال تكثيف البحث عن إمدادات جديدة من الكوبالت، وتصنيع بطاريات خالية من الكوبالت لبعض السيارات الكهربائية، لكن كل ذلك لا يضاهي الجهود الصينية للاستحواذ على المعادن الأساسية الضرورية لإرساء اقتصاد صديق للبيئة مستقبلا، بما في ذلك الكوبالت والليثيوم.
ترجمة: الجزيرة