بقلم: جيفري كمب – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم– انعقد أحدثُ مؤتمر للأمم المتحدة حول تغير المناخ في غلاسكو، باسكتلندا، خلال الأسبوعين الأوليين من شهر نوفمبر الجاري. وجرى تمديد أشغاله ليوم إضافي من أجل فسح المجال لمفاوضات اللحظة الأخيرة حول بيان ختامي. وإذا كان قد تسنَّى تحقيق بعض التقدم من أجل التوصل لإجماع بشأن الخطوات المقبلة من أجل تفادي كارثة يتسبب فيها المناخ خلال العقود المقبلة، فإن النتيجة مثّلت خيبة أمل حقيقية.
الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حضرَا المؤتمرَ، لكن زعماء الصين وروسيا والبرازيل غابوا عنه. وهذا الغياب لتضامن واضح من جانب بلدان مهمة يعني أن قمتي المناخ الأمميتين المقبلتين اللتين من المقرر عقدهما في 2022 في مصر و2023 في الإمارات العربية المتحدة ستكتسيان أهميةً أكبر ويمكن أن تكونا قمتين مصيريتين بالنسبة للجهود الرامية إلى إنقاذ الكوكب. الزعماء الذين كانوا في غلاسكو اتفقوا على أنه في قمة 2022 يجب التوصل لأهداف أقوى بحلول 2030 من أجل تقليص الانبعاثات بهدف حصر الاحترار المناخي في 1.5 درجة مئوية. كما اتفقوا على أنه يجب على البلدان المتقدمة أن تبذل جهوداً أكبر من أجل مساعدة البلدان الأكثر هشاشةً على التأقلم مع تدهور الظروف المناخية.
جزء من المشكلة في قمة غلاسكو كان هو توقيت المؤتمر. ذلك أنه أتى وسط ارتفاع الأسعار في أسواق الوقود الأحفوري العالمية بسبب تزايد الطلب على السلع والخدمات بموازاة مع بدء التعافي الاقتصادي من آثار الوباء. التيمة الأساسية لقمة غلاسكو كانت تتمثل في أنّه على العالم أن يسرّع تطويره لإمدادات الطاقة المستدامة بموازاة مع العمل على تقليص استخدام الوقود الأحفوري بشكل جذري، وخاصة الفحم والنفط. وكانت الأزمات غير المسبوقة التي تسببت فيها حرائق الغابات، وتزايد العواصف، والفيضانات، وفترات الجفاف، والتلوث، التي عزيت إلى تغير المناخ في شتاء وربيع وصيف 2021، تعني أن الحجج المؤيدة لفرض ضوابط أكثر صرامةً على الانبعاثات كانت قوية ومقنعة عندما التأم مؤتمر غلاسكو.
لكن المثير للسخرية هو أنه من أجل التغلب على التباطؤ في الاقتصاد العالمي بسبب الوباء، أصبحت زيادة استخدام الوقود الأحفوري ضرورية نتيجة ارتفاع الطلب على الطاقة لتوليد الطاقة والنقل مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. ورأى كل من المستخدمين المهمين للوقود الأحفوري والبلدان التي تصدِّره التكاليف والأرباح ترتفع، ما جلب مآزق سياسية لكل البلدان الكبيرة، وخاصة الصين والولايات المتحدة والهند وأوروبا. والحال أنه ما لم تتزعم البلدانُ الصناعية الكبيرة الجهودَ العالمية لتقليص استخدام الوقود الأحفوري، فإن انبعاثات الكربون لن تُكبح أبداً بشكل كافٍ للحؤول دون ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
لكن على الرغم من هذه الانتكاسات، فإن هناك نتيجتين إيجابيتين من قمة غلاسكو من المرجح أن تعززا الحجج المؤيدة لضرورة فرض قيود أكثر صرامةً على انبعاثات الوقود الأحفوري. الأولى، هي أن العدد الكبير من المحتجين الذين ملأوا شوارع غلاسكو خلال الاجتماعات ضمّ نسبةً عالية من الشباب الذين سيضطرون للتعايش مع الاحترار المناخي وعواقبه الكارثية. وأغلب الظن أن الشباب لن يوقفوا احتجاجاتهم ومطالبتهم باتخاذ تدابير أقوى. أما الثانية، فهي أنه أصبح من الصعب أكثر بكثير على السياسيين أن يحاججوا بأن الاحترار المناخي “خديعة”، مثلما كان عليه الحال لسنوات عديدة. وهذا الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تغير مهم في موقف وسلوك شركات الطاقة الكبيرة التي باتت تواجه انتقادات متزايدة من المساهمين الذين يؤيدون مبادرات بنّاءة من أجل تقليص البصمة الكربونية. ذلك أن هذه الشركات باتت تشعر بحرج متزايد جراء التهمة التي توجَّه إليها من أنها لا تختلف عن شركات التبغ والمجموعات الضاغطة المدافعة عنها والتي ظلت تزعم على مدى سنوات بأن العلاقة بين تدخين السجائر والسرطان “غير مثبتة”.
إن فضح صناعة التبغ وحملات القواعد الشعبية الرامية إلى تنبيه المواطنين إلى مخاطر التدخين، هي التي أدت في نهاية المطاف إلى انخفاض كبير جداً في التدخين وحظره الصريح في معظم الفضاءات العامة مثل المطاعم ووسائل النقل. وهذا يعطي أملاً في أن انبعاثات الكربون ستصبح غير مقبولة على غرار التدخين. لكن السؤال هو: هل سيحدث ذلك بالسرعة الكافية من أجل إنقاذ الكوكب من أسوأ الكوارث قبل فوات الأوان؟