الرئيسية / مقالات رأي / المهاجرون وأهواء السياسة

المهاجرون وأهواء السياسة

افتتاحية صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – أزمة المهاجرين التي تشغل أوروبا واستقطبت مواقف دولية على نطاق واسع، بدأت تخرج من سياقها كظاهرة اجتماعية لها أسباب وأهداف لتصبح قضية تتقاذفها أهواء السياسة وتتجاذبها المصالح والحسابات. فما هو حادث الآن بين فرنسا وبريطانيا إثر غرق زورق في بحر المانش، وما هو مستمر بين بيلاروسيا وبولندا على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي يؤكدان ذلك ويدمغانه بالأدلة. وفي كلا الوضعين هناك أزمة إنسانية وتوتر بلغ في بعض الأحيان حد التلويح بالحرب.

المقامرة بورقة المهاجرين في عالم السياسة ليست جديدة، وقد تكون من أقدم وسائل الضغط والابتزاز، ولكن ما يجري اليوم أخطر مما سبق، رغم أن عدد العالقين بين بيلاروسيا وبولندا لا يتجاوز سبعة آلاف شخص، وبين فرنسا وبريطانيا لا يوجد معسكر مهاجرين لكن هناك محاولات تهريب بشر بين الفينة والأخرى عبر القناة الإنجليزية إلى المملكة المتحدة. ومع ذلك اتسع الجدل سريعاً بين البلدين اللذين يعيشان خلافات مزمنة جراء تداعيات «بريكست» وتباينات بشأن قضايا عدة من الدفاع إلى منح تراخيص الصيد.

فقد بدأ التراشق الإعلامي والرسمي واتهامات بمحاولة كل منهما استغلال «وضع مأساوي لغايات سياسية»، تماماً كما هو حاصل بين مينسك ووارسو، وإن كانت اللغة هناك نارية ولا تخلو من عبارات التهديد والتصعيد واستقطبت مواقف متشنجة من حلف شمال الأطلسي «الناتو» وروسيا، وتم وصف الأزمة بأنها أسوأ ما واجهته العلاقات بين الشرق والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة.

الحوادث والكوارث التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا غرقاً في البحار والمحيطات والمضائق لم تخرج قبل حدوثها عن التوقعات التي كانت تشير دائماً إلى أن شبكات تهريب البشر من مناطق التوتر إلى الفضاءات المستقرة والمزدهرة مثل أوروبا، ستكون تحدياً كبيراً يواجه المجتمع الدولي في ظل اختلال موازين التنمية وزيادة معدلات الفقر والبطالة والإحباط في مناطق واسعة من العالم مثل دول في الشرق الأوسط وآسيا ومعظم القارة الإفريقية، فالضحايا الذين ماتوا غرقاً في المانش أو هم بصدد الموت برداً ومرضاً على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، أغلبهم من دول انتكبت بالحروب وعدم الاستقرار والتدهور الاقتصادي في الفترة السابقة، ومسؤولية إنهاء هذه الأوضاع ملقاة على المجتمع الدولي برمته وليس على جهة بحد ذاتها، وإذا لم تستيقظ الضمائر قبل فوات الأوان، ربما تتفاقم هذه الظاهرة وتكون مدعاة لصراعات وحروب أخرى، خصوصاً بعد أن تكشر جائحة كورونا عن كل مساوئها البشعة، وهو أمر متوقع ولا يحتاج إلى عناء الاستشراف.

تخلص العالم من الظواهر السلبية والكوارث الاجتماعية أمر مستحيل وهدف مثالي، ولكن يمكن التخفيف من حدة الأزمات بالحكمة والتعقل والتعلق بمبادئ الخير والسلام. وهذه الاستحقاقات ليست بعيدة المنال عندما توظف السياسة وسائلها الحميدة ويعمل القادة والسياسيون بواقعية وإنسانية لحفظ أرواح البشر وصون أمن الدول والمجتمعات. وقضية المهاجرين المثيرة للجدل، شأنها شأن التحديات العالمية الكبرى، لا يمكن حلها بالتصعيد والتنصل من المسؤوليات، بل بالتضامن وتفعيل قيم العدالة في الدفاع عن المصالح وحقوق الإنسان بمفهومها الشامل.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …