By: Lionel Laurent
الشرق اليوم – قبل توصل العالم إلى تطوير لقاحات آمنة وفاعلة، كان التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد في أوروبا يهيمن عليه الخوف وعدم اليقين واستخدام الأدوات القاسية، مثل فرض الإغلاق وحظر السفر لمنع اكتظاظ المستشفيات بالمرضى، إذ فرضت بعض البلدان مثل إسرائيل والنمسا والدنمارك قيودًا صارمة للتباعد الاجتماعي.
ويبدو أن هذا الخوف قد عاد من جديد مع مكافحة المنطقة انتشار العدوى من الشرق إلى الغرب.. فالنمسا قد دخلت في حالة إغلاق من جديد مع معدل التطعيم المتوسط لديها.. كما أن ألمانيا المجاورة، التي كانت الصحة العامة لديها في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد السياسة هذا الخريف، لا تستبعد احتمالية فرض إغلاق آخر.. وتشهد الدنمارك، على الرغم من معدل التطعيم المرتفع لديها، أعداد إصابات قياسية بعد رفع القيود في سبتمبر الماضي.. إلا أن جنوب أوروبا يبدو في وضع أفضل في الوقت الحالي. ولكن ينبغي ألا تشعرنا هذه الأشياء بالتشاؤم الزائد، وذلك لأن الموجة الأخيرة تبدو مختلفة، فلا شك أن هذا الشتاء سيكون قاسيًا في منطقة بها تباين كبير في توزيع اللقاح، فضلًا عن تباين الثقة في المؤسسات وجودة مستوى تقديم الرعاية الصحية.. وصحيح أن هناك بالفعل احتمالات لاستمرار الجائحة لفترة أطول مما كان متوقعًا، ولكن أوروبا قد بات لديها المزيد من الأدوات التي تقع تحت تصرفها الآن لتشق طريقها للتعايش مع كوفيد-١٩.
فقد أصبح لدى القارة الكثير من اللقاحات، ولكنها تحتاج إلى تحقيق أهداف أعلى للوصول إلى عتبات المناعة المجتمعية، حيث يعتقد علماء الأوبئة أن التغطية يجب أن تكون أعلى من ٨٥٪ لإحداث فرق في ظل انتشار المتغير دلتا، وهو ما سيتم إثباته من خلال مقارنة الحالات اليومية بمعدلات توزيع اللقاح.
وتُعد النمسا صورة حية لكيفية فشل التغطية بنسبة ٦٦٪ في منع امتلاء أسرة العناية المركزة ومعدلات الوفاة من الوصول إلى أعلى مستوياتها، ولكن ستتم مراقبة سياسة التطعيم الإجباري الجديدة التي من المقرر بدؤها في فبراير المقبل عن كثب، وذلك على الرغم من أنه من غير المحتمل أن تقلدها دول أخرى قريبًا.
كما يُظهر مثال إسرائيل، التي يقل معدل التطعيم فيها الإجمالي عن ٦٤٪، أن حملات توزيع الجرعات المعززة يمكن أن تُحدث فرقًا مع تضاؤل الحماية لأولئك الذين تم تطعيمهم من قبل، إذ قامت تل أبيب بتوزيع جرعات ثالثة على ٤٥٪ من سكانها، وهي ثاني أعلى نسبة في العالم- بحسب بيانات بلومبرج- بعد استهداف كبار السن لأول مرة قبل أشهر، وهو ما جعل الحياة تبدو وكأنها قريبة من وضعها الطبيعي مرة أخرى في البلاد.
وقد بدأت أوروبا بالفعل في إطلاق حملات التطعيم بالجرعات المعززة لمن هم فوق الـ ٦٥ عامًا، ولكن يجب أن توسع الوصول إليهم فى أسرع وقت ممكن.
وهناك مخاوف من أن يكون هناك حد لما يمكن أن توفره اللقاحات دون وجود وعي لدى الناس، ودون اتباعهم الإجراءات الاحترازية، إذ إنه عادة ما تكون هناك رغبة في التخلي عن اتباع هذه الإجراءات عندما تكون أعداد الحالات منخفضة، وهو ما فعلته الدنمارك ودول أخرى هذا الصيف، ما يمثل جزءًا من المشكلة، فمنذ ذلك الحين، أعادت البلاد استخدام الكمامات وجوازات سفر اللقاح، والتي ستوفر إدارة أفضل للجائحة على المدى الطويل.
وقد قال لي المبعوث الخاص لمنظمة الصحة العالمية حول كوفيد-١٩، ديفيد نابارو: «هذه اللقاحات مصرح بها للوقاية من الأعراض الشديدة والوفاة، وليس للوقاية من الإصابة.. والشيء المهم لكل بلد هو أنه في حال أرادت منع حدوث الطفرات، فإنه يجب التقليل من فرص انتشار الفيروس».
ومن الواضح أن التأرجح بين الحرية المطلقة والشعور بالذعر لا يخدم الصحة العامة، إذ يحتاج صانعو السياسات إلى تحويل قراراتهم بعيدًا عن الأزمة والخوف الذي يلاحقها، والتي من المحتمل أن تصبح أقل فاعلية بمرور الوقت على أي حال، والاتجاه بدلًا من ذلك نحو إدارة المخاطر على المدى الطويل.
أما بالنسبة للمترددين في تلقي اللقاح، فإنه ستكون هناك حاجة إلى تبني استراتيجيات أفضل، إلى جانب جعله إجباريًا.
وصحيح أن هذا الشتاء سيكون قاسيًا، خاصة بالنسبة للبلدان ذات معدلات تطعيم منخفضة.. كما أن الموجة الحالية هي بمثابة تذكير بميلنا إلى التقليل من أهمية هذا الفيروس، ولكننا قد أصبحنا مسلحين بشكل أفضل مما كنا عليه في أي وقت مضى.
فقد باتت هناك استعدادات لإطلاق علاجات أخرى لكوفيد-١٩ غير اللقاحات التي تشمل الأقراص والأجسام المضادة وحيدة النسيلة. وصحيح أن التدابير المتمثلة في الحصول على الجرعات المعززة وارتداء الكمامات وجوازات سفر اللقاح لا تشبه عالمنا في فترة ما قبل الوباء، لكنها تقدم طريقة أكثر استدامة للمضي قدمًا بعيدًا عن الأساليب القاسية التي تم فرضها في بداية الجائحة، ولذا فإنه لا يزال التعايش مع هذا الفيروس هدفًا يمكن تحقيقه.
ترجمة: المصري اليوم