بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع
الشرق اليوم – على الرغم من أن مؤتمر المناخ الذي انعقد في مدينة جلاسجو، بالمملكة المتحدة، يبدو دوريا، على اعتبار أن هذا المؤتمر يعقد سنويا في أحد العواصم العالمية، إلا أنه في الواقع كان يحمل طبيعة استثنائية للغاية، في ظل العديد من المعطيات، أبرزها أنه عقد بعد توقف عامين بسبب تفشي جائحة كورونا، بالإضافة إلى كونه أول مؤتمر يعقد بعد حالة الجدل التي حدثت دوليا على خلفية الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس المناخية، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ثم العودة عليها بمجرد اعتلاء خليفته جو بايدن عرش البيت الأبيض، ناهيك عن التداعيات الكبيرة التي شهدتها دول عدة حول العالم، إثر ظاهرة التغير المناخي، تراوحت بين الفيضانات في بعض المناطق، وارتفاع درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة في مناطق أخرى، لتحظى المدينة الأسكتلندية بقدر كبير من الزخم، لينجم عنه في النهاية “ميثاقا” حمل اسمها، ليصبح ثالث وثيقة دولية موقعة ترتبط بالمناخ، بعد اتفاقية كيوتو التي يرجع تاريخها إلى عام 1992، ثم اتفاقية باريس في 2015.
يبدو أن المناخ ارتبط تدريجيا خلال العقدين الماضيين بفكرة القيادة الدولية، نتيجة التصاعد الكبير في المخاطر الناجمة عن تلك الظاهرة، بينما وصلت إلى ذروتها مع ما يمكننا تسميته “تحالف” المناخ والوباء، مع تفشي كورونا، والذي ساهم بجلاء في وضع المزيد من الضغوط على كاهل العديد من الدول حول العالم، مما خلق حاجة ملحة، لتشكيل تحالف مناهض، من القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، يمكنه مجابهة الخطر المحدق بالعالم، في ظل حقيقة مفادها عدم قدرة دولة بعينها أو منظمة دولية مهما بلغ حجمها، في دحضه بمفردها، وهو ما أثبتته السنوات الماضية، في ظل خلافات كبيرة بين دول العالم المتقدم والنامي، حول كيفية الالتزام بتقليل الانبعاثات الكربونية، وهو الانقسام الذي لم تخلو منه أي قمة مناخية، ومن بينها القمة الأخيرة المنعقدة في جلاسجو.
ولكن يبقى التحالف المنشود في حاجة إلى قيادة، وهو الأمر الذى اكتسبته باريس في 2015، عبر الاتفاقية التي ارتبطت باسمها، وهو ما يفسر الغضب الكبير من قبل فرنسا، في أعقاب الانسحاب الأمريكي منها، إلى الحد الذي دفع الرئيس إيمانويل ماكرون بالتشكيك في مستقبل “الناتو”، عبر وصفه بـ”الميت إكلينيكيا”،، والذي يبقى رمزا مهما للقيادة الأمريكية للمعسكر الغربي منذ اندلاع الحرب الباردة، التي خاضتها واشنطن، ومن ورائها دول أوروبا الغربية، في مواجهة الاتحاد السوفيتي، في الخمسينات من القرن الماضي، داعيا في الوقت نفسه إلى تأسيس “جيش أوروبي موحد”، في انعكاس صريح للأهمية الكبيرة لقضية المناخ في تشكيل النظام الدولي الجديد، وإعادة توزيع الأدوار بين القوى الدولية، في المرحلة المقبلة، في إطار ما أسميته في مقال سابق بـ”حقبة البيئوقراطية العالمية”.
وهنا تتجلى أهمية كبيرة لـ”ميثاق” جلاسجو” باعتباره يحمل في طياته مكاسب سياسية كبيرة، للمملكة المتحدة، من وراء قضية المناخ، عبر مسارين متوازيين، أولهما على المستوى القاري، عبر المساهمة الكبيرة في زيادة نفوذها في إطار الصراع الراهن حول قيادة أوروبا، في ظل صراع محتدم مع الاتحاد الأوروبي، وفي القلب منه فرنسا الساعية إلى خلافة ألمانيا ومستشارتها أنجيلا ميركل على عرش القيادة الأوروبية، بينما يبقى المسار الأخر بريطاني خالص، في ظل مساع حثيثة من بعض الدول الخاضعة للتاج البريطاني، للاستقلال عن المملكة المتحدة، وهو ما بدا سابقا عبر استفتاء استقلال أسكتلندا، ثم عادت الدعوات مجددا مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو ما أثار مخاوف كبيرة حول إمكانية تفشي عدوى الانفصال في مناطق أخرى تحت السيطرة الإدارية للندن.
إلا أن قضية المناخ ربما تتجاوز الصراع بين جلاسجو وباريس، والذي يقتصر نطاقه على القارة العجوز، حيث تبقى الحاجة ملحة إلى قيادات أخرى، يمكنها المساهمة بصورة كبيرة في حماية الكوكب من التهديد القائم، عبر قدرتها على قيادة مناطقها نحو تحقيق أكبر قدر من الالتزامات تجاه “البيئة”، وهو ما يتجلى في اختيار مصر لاستضافة قمة المناخ المرتقبة في العام المقبلة، وهو ما يمثل اعترافا ضمنيا ليس فقط بعودة مصر إلى دورها الريادي ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، وإنما في مختلف دوائرها الدبلوماسية، سواء الإفريقية أو المتوسطية، ناهيك عن قدرتها الكبيرة على تعميم تجربتها في مناطقها.
وهما يمكننا القول أن اختيار مصر لاستضافة قمة المناخ المقبلة، يتجاوز في جوهره مجرد مناقشات ومباحثات سوف تدور بين قادة العالم حول التهديد الذي يواجه العالم، وإنما يمثل تتويجا لجهود كبيرة خلال سنوات معدودة، أعادت القاهرة إلى مكانتها المرجوة بين دول العالم، في موقع القيادة، حيث يعد الاختيار بمثابة إعلانا جديدا، بوجود مصري قوي في التحالف المنشود لمجابهة التهديد الذي يواجه العالم، في انعكاس ودلالة جديدة على نجاحات الجمهورية الجديدة المتزامنة على مختلف الأصعدة.