بقلم: د. باهرة الشيخلي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- يحتدم صراع حاد بين التيار الصدري والميليشيات الولائية بعد دعوة زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر يوم الثامن عشر من نوفمبر إلى حل الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها للحشد الشعبي.
دعا الصدر خلال كلمة متلفزة “إلى حل الفصائل المسلحة أجمع ودفعة واحدة، وتسليم سلاحها كمرحلة أولى للحشد الشعبي عن طريق القائد العام للقوات المسلحة”.
مقابل ذلك، دعا قيادي في هذه الميليشيا إلى التطوع للميليشيات، في خطوة وصفها مراقبون عراقيون بأنها علامة ضعف.
إن من غير المفهوم أن يقف الصدر ضد الميليشيات وهو يمتلك ميليشيا سرايا السلام المنبثقة عن ميليشيا جيش المهدي التي فعلت الأفاعيل بالعراقيين، كما أن من الغريب أن يخاطب الصدر “القوى السياسية التي تعتبر نفسها خاسرة في الانتخابات” داعياً إياها إلى مراجعة نفسها لإعادة ثقة الشعب بها لأن ما تفعله سيزيد من نفور الشعب منها، مع علمه أن الشعب قاطع الانتخابات التي وصفها بالنزيهة بنسبة كبيرة فاقت الـ80 في المئة.
العراقيون يتخوفون الآن من صدام عنيف بين الميليشيات الولائية والتيار الصدري مما ستنعكس تداعياته على حياتهم وأرواح أبنائهم، ما يعني تحقق توقعات المراقبين قبل سنوات بنشوب حرب شيعية – شيعية، وهو عين ما أشار إليه الباحث والناشط السياسي الدكتور شاكر كتاب من أن الصراع بين هذه القوى كان متوقعاً أن يحدث يوماً ما بسبب طبيعة العلاقات التي كانت تربطها والتي لا تزال قائمة بين بعضها الآخر، واصفاً الكتل السياسية الحالية بأنها تجمعات بشرية نشطة لكنها بعيدة عن رؤى بناء الدولة.
التوجهات المتعلقة بالسلطة والمال والسلاح يمكن تحقيقها بجهد معين، لكن ليس بالجهد نفسه يمكن الحفاظ عليها كإنجاز ضيق أو كمحصول لا بد أن ينتهي يوماً ما أو أن تتقاطع المصالح حولها فتقع الخلافات لتبدأ الصراعات بشتى أنواعها من دون أن تستبعد أسوأ ما فيها وهو شكل المواجهات العنيفة، ولا يظن أحد أن هناك خط رجعة عن هذه الخلافات بخاصة إذا انتقلت إلى صراعات، وهي الآن كذلك، لكن القصد أن هناك خشية جدية من أنها تتطور نحو حرق اليابس والأخضر فتنعكس على أمن العراق وشعبه واستقراره.
يرى العراقيون في ظل محنتهم التي تتزايد منذ احتلال بلادهم أن الميليشيات الولائية والحشد الشعبي وجهان لعملة واحدة، وأن مرجعهما واحد هو الحرس الثوري الإيراني، مع أن الحشد بدأ بإصدار المرجع الديني الشيعي آية الله علي السيستاني في أوائل يونيو 2014 فتوى تدعو كل من يستطيع حمل السلاح إلى التطوع في القوات الأمنية لقتال مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية وتجيز التعبئة الشعبية لدرء خطر هذا التنظيم، وهو ما وصف فقهيا بـ”الجهاد الكفائي”.
لكن ممارسات الحشد لم تختلف أبداً عن ممارسات الميليشيات الولائية، وأصبح هو الآخر عقبة كأداء في وجه بناء دولة مدنية في العراق تحقق له الاستقرار والتقدم ولشعبه الأمان.
ثم إن هناك صراعاً بين الميليشيات نفسها، التي هي برغم خلافاتها تابعة كلها، كما قلنا، لإيران وتقاد منها مما يجعل سؤالاً يفرض نفسه هو: لماذا لا توحد إيران ميليشياتها في العراق التي فاقت أعدادها العشرات وتجعلها ميليشيا واحدة بدلا من إبقائها فصائل مبعثرة؟
يبدو أن هناك أكثر من سبب يمنع إيران من فعل ذلك، كما يرى باحث سياسي آخر هو طلال بركات، منها توزيع الأدوار بين الفصائل حسب المهمات والواجبات التي تسند إلى كل فصيل وفق الأوامر التي يستمدها الفصيل من المسؤول الإيراني، بمعنى أنه عندما يقوم فصيل معين بعمل إجرامي في مكان ما يوجه الاتهام إلى ذلك الفصيل من دون المساس ببقية الفصائل، كما وجدنا في الضربات التي وجهت إلى السفارة الأميركية أو محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والتي غالباً ما كان الاتهام بفعلها ينحصر بحزب الله أو عصائب أهل الحق وليس الفصائل كلها، بل فقط الفصيل الذي نفذ الفعل، وبذلك تسلم بقية الفصائل من الاتهام برغم أن جميعها تأتمر بأوامر إيران.
إن ما يقوله بركات يعني أن الفصائل كلما تعددت تعددت أدوارها وصار هذا الفصيل يوصف بأنه معتدل وذاك الفصيل بأنه متشدد والآخر رافض لسلوك معين حسب التبعية والولاء، فهناك فصائل تبعيتها المطلقة لولاية الفقيه ومنها من تتبع السيد السيستاني أو سواه من المراجع، كما هي حال أغلب فصائل الحشد الشعبي، رغم أن جميعها تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني، مثلما يفعل مقتدى الصدر عندما يظهر أنه يغرد خارج السرب الإيراني ويوحي للناس بأنه غير راض عن فعل وإذا به ينقلب، فجأة، ويتراجع عن مواقفه وعلى غفلة تجده قد غادر العراق إلى طهران.
هذه خطة مدروسة لخلق حالة من القنوط واليأس ليس فقط لدى أتباعه، وإنما لدى من زرع في قلبه الأمل لكي يعطي انطباعاً للآخرين، برغم قوة تياره، أنه لا يستطيع الانسلاخ من العباءة الإيرانية كما هو حال الفصائل السياسية والمسلحة كلها. والسبب الثاني خشية إيران من توحيد صفوف الميليشيات لكي لا تكون لها قيادة موحدة قد تتمرد يوماً عليها، لذلك جعلتها فصائل متعددة يسهل إحكام السيطرة عليها ويسهل تأديب من يحاول الخروج عن عصا الطاعة من خلال الإيعاز للفصائل الأخرى بتأديب من لا ينقاد لأوامر الولي الفقيه بنحو كامل، وهذا ما كان يردده قاسم سليماني عندما يريد تأديب فصيل معين من الفصائل حيث يهدده بالقول “سوف أطلق كلابي عليكم”، وهذا يثبت أن جميع فصائل الحشد الشعبي تحت إمرة إيران شاءت أم أبت.
هذا ما يجعل بعض المحللين السياسيين والمراقبين المتابعين للشأن العراقي يستبعدون، برغم المناكفات والتدافع على المناصب بين القوى الشيعية المتنافسة، أن يحدث صدام عنيف بينها، فمن يتسلم منهم المنصب سيحفظ مقامات الآخرين وحصصهم، فالجميع متفق على ألّا تصل الخلافات بينهم إلى حد النزاع الذي يفقدهم الحكم والمال، كما أن قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني يرتب الأوضاع حسب ما تقتضيه مصلحة إيران وليس مصلحة العراقيين.
ليس مستبعداً أن يحدث صدام محدود في المعسكر الشيعي متى رغبت إيران بذلك، لكنهم الآن يبحثون عن حلول خبيثة لتعويض الخاسرين عن طريق رفع عدد النواب إلى 400، وإضافة العدد الذي يزيد على العدد الحالي إلى الخاسرين بغض النظر عن التكلفة المالية التي تترتب عن ذلك.. إنهم يعيشون ديمقراطية خاصة لا يحكمها قانون وعلى أية حال لا تزال إيران اللاعب الأساس في حسم الأمور.
وإذا حدث الصدام بين الفصائل والكتل الشيعية أم لم يحصل فإن الخاسر الوحيد في ذلك هم العراقيون الذين يتعين عليهم أن يبحثوا عن طريق للخلاص مما هم فيه ويمسكوا زمام بلادهم بأيديهم.