الشرق اليوم- لم يكن أمام السودان منذ قرارات 25 أكتوبر /تشرين الأول الماضي من خيار إلا الحوار بين مختلف مكونات ثورة العاشر من إبريل/ نيسان 2019 التي أطاحت بنظام عمر البشير بعدما جثم على صدر الشعب السوداني طوال ثلاثين عاماً، لأن البديل كان كارثياً بكل معنى الكلمة، إي العودة إلى مربع الفوضى والحروب الطويلة التي ذاق السودانيون مراراتها في كل أنحاء البلاد وأودت بحياة الملايين، وشردت ملايين آخرين، وأدت في ما أدت إليه إلى انفصال جزء عزيز من الوطن السوداني.
كان المكون العسكري في الثورة السودانية، ومعه المكون المدني، يدركان أنه من دون تحكيم لغة الحوار والعقل، فإن السودان سوف يدخل في نفق قد لا يكون هناك ضوء في نهايته، وأن القوى المتربصة، وخصوصاً أن جماعة الإخوان التي فقدت هيمنتها وسطوتها تتأهب في كل لحظة لاستعادة مواقعها، كما أن كل اتفاقات السلام التي تم توقيعها مع الجماعات المسلحة في أكثر من جهة قد تسقط وتفقد قيمتها، ويعود السودان إلى دائرة العنف والاحتراب من جديد، إضافة إلى أن ما تحقق من إنجازات خلال العامين الماضيين في ظل الحكومة المدنية التي قادها عبدالله حمدوك،على الصعيد المحلي من تخفيف وطأة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وعلاقات دولية متجددة، بدأت تؤتي ثمارها على شكل استثمارات وإلغاء ديون، ورفع للعقوبات الاقتصادية، كل ذلك سوف يكون من الماضي وأثراً بعد عين.
كانت الصورة قاتمة قبل يوم الأحد الماضي، فالتظاهرات والاعتصامات كانت تؤشر إلى شر مستطير، وبدا كل شيء وكأن العواصف قادمة، فيما كانت المناشدات العربية والدولية تدعو إلى الهدوء، وضبط النفس، والحوار من أجل استعادة الديمقراطية وروح ثورة 2019.
وتحقق الانفراج المنتظر بالاتفاق بين حمدوك والمجلس العسكري، وعاد رئيس الوزراء إلى منصبه، مؤكداً أن عودته مرتبطة بصيانة المكاسب الاقتصادية التي تحققت، والعمل على تشكيل حكومة تكنوقراط، والالتزام بالمسار الديمقراطي، وحرية التعبير والتظاهر السلمي والانفتاح على العالم. وأشار إلى أن حكومته الجديدة “ستعمل على استكمال اتفاقات السلام التي تم التوقيع عليها مع الجماعات المسلحة” العام الماضي..
الاتفاق المكون من 14 بنداً والذي يدعو في أحد بنوده إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، بدأ تنفيذه على الفور، ما يعني أن هناك نوايا جدية بطي الصفحة السوداء، وفتح صفحة جديدة تعيد الحياة للثورة السودانية وتنقذها من السقوط.
لعل بعض الأصوات الحزبية والسياسية التي ترفض الاتفاق وتعتبره “غطاء سياسياً” لما حصل يوم 25 أكتوبر /تشرين الأول الماضي، تدرك بأن العمل السياسي ليس مواجهات مفتوحة، إنما هو فن الممكن، والقدرة على استيعاب الظروف والتكيف معها.
المصدر: صحيفة الخليج