بقلم: عاطف السعداوي – سكاي نيوز
الشرق اليوم– تتجه البيئة السياسية في الشرق الأوسط اليوم إلى اعتماد مقاربات جديدة بين دوله المحورية حول قضايا المنطقة، أبرزها أن الحوار صار بديلا لسياسة المحاور والتمحور التي باتت سمة السنوات الأخيرة.
فقراءة سريعة لخارطة التفاعلات السياسية والدبلوماسية بين عواصم الإقليم الرئيسية تنبئ ببروز مساع ملموسة للتقارب والتصالح وإعلاء المصالح الوطنية على التجاذبات السياسية وإرساء الحوار حول القضايا الخلافية.
في هذا الإطار تأتي الزيارة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الجمهورية التركية تلبية لدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لبحث “العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون والعمل المشترك بين البلدين في مختلف المجالات بما يحقق مصالحهما المتبادلة” بالإضافة إلى التباحث حول “مجمل القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية التي تهم البلدين”.
هذه الزيارة تأتي كمحطة رئيسية في طريق عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها وفتح صفحة جديدة عنوانها تعظيم المصالح المشتركة والجوانب المتبادلة بين البلدين ومحاولة تقريب وجهات النظر المتباينة حول عدد من القضايا الإقليمية عبر آلية الحوار المتواصل والنقاش الجاد والصريح.
زيارة تنطلق من قناعة إماراتية راسخة بضرورة تعزيز التعاون والتواصل مع كافة القوى الفاعلة في الإقليم بما يضمن الاستقرار والازدهار لكافة الأطراف. من هذا المنطلق ستكون المصالح الاقتصادية المشتركة بكل تأكيد هي المتصدر لملفات هذه الزيارة في ظل ما تحظى به البلدين من فرص استثمارية هائلة وما يتمتع به اقتصاد البلدين من إمكانيات.
ومن أبرز البنود التي ستُناقش فتح طريق تجاري بين البلدين عبر إيران بهدف اختصار مدة الرحلات التجارية إلى 8 أيام بعد أن كان نقل البضائع من ميناء الشارقة بالإمارات إلى ميناء مرسين التركي عبر مضيق باب المندب وقناة السويس والبحر الأحمر يستغرق 20 يوما. فالاقتصاد الآن أصبح هو الذي يقود السياسة والمصالح المشتركة أصبحت هي التي ترسم السياسات الخارجية، ورفاهية الشعوب أصبحت تتقدم على ما عداها، وخلافات السياسة يمكن أن تتوارى خلف مصالح الشعوب.
ففي ظل توترات السياسة لم تنس الإمارات الشعب التركي في أزمته جراء الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة والفيضانات التي ضربت مناطق تركية عدة، وحرائق الغابات العنيفة التي دمرت مئات الهكتارات في أغسطس الماضي. وقتها أصدر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قرارا بتقديم دعم قيمته 36.7 مليون درهم للمناطق المتضررة تضامنا مع الشعب التركي في تلك الظروف غير العادية، انطلاقا من مبدأ إماراتي راسخ وهو دعم الدول والشعوب في المواقف التي تتطلب التضامن والتعاون.
كما نلحظ أنه على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية حول بعض القضايا إلا أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين لم تتأثر، بل ربما تحسنت كما تقول بذلك بعض الإحصاءات، حيث سجل التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين نموا بنحو 21% خلال العام الماضي، حيث بلغ 8.9 مليار دولار مقارنة بعام 2019 الذي بلغ حجم التبادل التجاري فيه 7.3 مليار دولار، وهو الأمر المرشح لمزيد من النمو خلال السنوات المقبلة في ظل الخطط والأهداف الاستثمارية الكبيرة والجادة للإمارات في تركيا، كما أعلن الرئيس التركي بنفسه في أغسطس الماضي عقب لقائه مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد.
تطلع تركيا لعلاقات قوية مع الإمارات خلال الفترة المقبلة عبر تعميق التجارة وحركة الاستثمارات، كان دائم الحضور في تصريحات المسؤولين الأتراك وأخرهم وزير التجارة محمد موش. ففي الكلمة التي ألقاها أمس خلال منتدى الأعمال التركي الإماراتي، المنعقد في دبي رأى أن تعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا والإمارات، على مختلف الأصعدة سيكون لصالح البلدين وسيشكل نموذجا لباقي دول المنطقة، ومحفزا للاستقرار الإقليمي.
وقبلها بيوم واحد قال السفير التركي لدى أبوظبي توجاي تونشير أن مشاركة بلاده في معرض “إكسبو 2020 دبي” تعلن بدء حقبة جديدة من التعاون وتعزيز العلاقات بين تركيا والإمارات.
هذا فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية والمصالح المشتركة، أما فيما يتعلق بالتباحث حول القضايا الإقليمية والدولية التي تهم البلدين، فإن هذه الزيارة ستنعكس حتما وإيجابا على أزمات المنطقة المفتوحة، من ليبيا غربا حتى العراق شرقا مرورا بسوريا واليمن وتونس والسودان وإيران وأفغانستان وشرق المتوسط وغيرها من الملفات التي كان بعضها محل تباين في وجهات النظر بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية.
هي أزمات أثبت مسار تطور وتصاعد بعضها وتهديده لأمن واستقرار المنطقة ضرورة انفتاح كافة دولة المنطقة ولا سميا الأطراف الفاعلة فيها على بعضها البعض وتبني منطق الحوار الإيجابي والتواصل الفعال بشأن التباين في وجهات النظر حولها للالتقاء في منتصف الطريق عبر سياسات هادئة وهادفة ومنفتحة تعزز من أوجه الاتفاق وتقلص من مساحة الاختلاف وتراعي مصالح كل الأطراف.