بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – عندما تُنْشَر هذه المقالة يكون المتبقِّي على الموعد المحدد لإجراء الانتخابات الرئاسية الليبية شهر واحد فقط، وعلى الرغم من أن ثمة ما يخلق الانطباع بأن الأمور تسير على ما يُرام فهناك بالمقابل ما يشي باتجاه معاكس محتمل. فهناك من ناحية ما يدعو للتفاؤل بإمكان الوفاء بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي في موعده، سواء لأن منتدى الحوار الليبي قد انتهى في نوفمبر 2020 إلى إجراء هذه الانتخابات، أو لأن ثمة قوى ليبية وطنية وكذلك قوى عربية ودولية تدعم هذا المسار بقوة سعياً لاستعادة الدولة الليبية، أو لأن إجراءات عملية محددة قد اتُخذت لتنفيذ هذا الاستحقاق كإصدار مجلس النواب الليبي للقانون المنظم للانتخابات، وفتح مفوضية الانتخابات باب الترشح لها، وتقدم عدد من المرشحين بالفعل لخوض السباق الانتخابي.
غير أنه من الواضح من ناحية أخرى أن ثمة عقبات حقيقية تُلقي بظلال من الشك على إمكان إجراء الانتخابات في موعدها أو تحقق الهدف منها إن أُجريت، فهناك أولاً قوى إقليمية ودولية تعلم أن الانتخابات لن تكون في مصلحتها، وكذلك قوى ليبية داخلية تابعة لها وتشاركها هذا الموقف، وتبذل هذه القوى كافةً قصارى جهدها لتعويق إجراء الانتخابات في موعدها المحدد بحجة وجود عوار في قانون الانتخابات الذي أصدره مجلس النواب الليبي وضرورة تصحيح هذا العوار قبل إجراء الانتخابات. والمشكلة أن هذه القوى تملك السلاح الذي يمكّنها من تعويق إجراء الانتخابات أو التلاعب بنتائجها أو تخريب هذه النتائج بمجرد التأكد من الهزيمة. وهناك ثانياً ضعف الثقافة الديمقراطية إن لم يكن غيابها تماماً لدى بعض القوى السياسية، مما يُفضي بها إلى الاعتراض على مجرد تقدم مرشحين مختلفين معهم سياسياً، مع أن الأصل في الانتخابات أن تكون آلية لفرز مَن يحظى بالشعبية ويستحق كرسيّ الرئاسة.. فما هي السيناريوهات المحتملة للانتخابات في ضوء هذا المشهد المعقد؟
في إطار ما سبق يمكن القول بوجود ثلاثة سيناريوهات محتملة للانتخابات تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم. أما السيناريو الأول فهو المتفائل بإمكان إجراء الانتخابات بين مَن تقرر المفوضية المختصة جدارتَهم بالترشح. ونظراً لتعدد المترشحين ووجود قاعدة قوة ما لكلٍ منهم، فالمؤكد أن الانتخابات لا يمكن أن تُحْسَم من الجولة الأولى، وإنما ستُجرى جولة إعادة بين صاحبي أعلى الأصوات في هذه الجولة، ويفوز في جولة الإعادة المرشح الحاصل على أعلى الأصوات بغض النظر عن نسبتها. وبعد إعلان النتيجة يباشر الرئيس المُنتخب صلاحياته ويتخذ الخطوات اللازمة لاستعادة الدولة الليبية، رغم ما سوف يواجهه من عقبات داخلية وخارجية جمة. لكنه سيمضي في طريقه على أي حال بتأييد القوى الليبية الوطنية والقوى العربية والدولية صاحبة المصلحة في ليبيا موحدةً ومستقرةً.
أما السيناريو الثاني فمفاده أن الانتخابات لن تُجرى أصلاً، سواء لتصعيد الاحتجاج على بعض المرشحين وصولاً إلى استخدام السلاح، أو الاحتجاج ضد استبعاد مفوضية الانتخابات لمرشح أو أكثر وبالذات لو كان أنصاره مسلحين، أو تخريب عملية الانتخابات ذاتها بالاعتداء على مقار لجان انتخابية أو لجان الفرز وغير ذلك.
ويبقى السيناريو الثالث، وهو إجراء الانتخابات وظهور نتيجتها، لكن القوى المتضررة من هذه النتيجة، وهي تملك من السلاح ما يمكنها من إفساد المشهد برمته، ستحاول إجهاض هذه النتيجة.
وتثير هذه السيناريوهات الثلاثة أسئلةً عديدةً حول كيفية حماية الانتخابات وضمان نزاهتها بل وحول نجاعة الانتخابات أصلاً كآلية لحل الصراع في مجتمعات منقسمة في ضوء الخبرة المقارنة، وكلها أسئلة تحتاج معالجةً دقيقة.