بقلم: سناء الجاك – سكاي نيوز
الشرق اليوم- بدت الذكرى الثامنة والسبعون لاستقلال لبنان كحفل تأبين حافل بالرثاء، ذلك أن لا شيء يدفع إلى الاحتفال. ورؤساء الدول الذين التزموا بالأسس الدبلوماسية، ضمَّنوا رسائلهم أمنيات بخروجه من الكارثة التي تهدد كيانه الغارق في موته السريري.
إلا الرئيس الإيراني، فهو لم يلحظ هذه الكارثة. لذا أبرق إلى نظيره اللبناني، فكتب: “نحن على ثقة تامة بأن لبنان سيبقى كما عهدناه دوما، بلدا آمنا ومستقرا وآخذا في النمو والتطور، بفضل عنايتكم وجهود المسؤولين وهمة الشعب اللبناني. وأؤكد لكم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكما كانت دوما، لن تألو جهدا من أجل ترسيخ العلاقات الثنائية في إطار المصالح المتبادلة للبلدين الصديقين”.
وسقط سهوا من برقية التهنئة المتفائلة هذه أن لبنان خرج من مفهوم الاستقلال وغادر معايير الدولة/الوطن، وقطع علاقته مع النمو والتطور والأمن والأمان والاستقرار إلى أجل غير مسمى، تماما كما قطع علاقاته مع امتداده العربي ومصالحه الحيوية التي تؤمن استمراريته.
سقط سهوا أن لبنان الحالي أصبح خارج الشرعية العربية والمواثيق الدولية، وهو يشهد أكبر انهيار اقتصادي، وشعبه يرمي بنفسه إلى قوارب الموت بحثا عن الحد الأدنى من مستلزمات الحياة.. بعدما صار عاجزا عن شراء حليب لأطفاله الرضع ولا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا قدرة على تحمل أعباء المستشفى والمدرسة والجامعة.
ولا يهم كاتب البرقية ما يعانيه الشعب اللبناني، لأن دولته تشظّت وتلاشت واستقلت عنه واستقالت من وظيفتها كراعية لمواطنيها، وراحت إلى اللادولة.
وأنه بات لزاما على هذا الشعب أن يبحث عن وسائل استعادة الوطن المفقود، ليس عبر صورة تعرِّف عنه وتتوسطها الأرزة، يصار إلى تعميمها في الصحف والتلفزيونات ووسائل التواصل الاجتماعي، مرفقة بجائزة لمن يجده وبرقم هاتف للاتصال، وليس عبر احتجاجات عقيمة أو تنفيس غضب بتوصيف الداء وتجاهل الدواء.
والأهم أن على هذا الشعب أن يواصل الحلم بالتغيير لأن اليأس من الوطن ممنوع.. ومن استطاع في اللحظات المشرقة مثل 14 اذار 2005 و17 تشرين الأول 2019 أن يحدث فرقاً، عليه اليوم أن يقلب موازين منظومته السياسية الفاسدة والمدجنة وفق أجندة المحور الإيراني.
وعليه أن يفعل ذلك من دون انتظار أي دعم خارجي، وأن يعد عدته للتغيير عبر صناديق الاقتراع، فيبرهن أنه رافض لهذه المنظومة.. والأهم أنه أقوى منها وأشجع منها وأنظف منها.
والعدة متوفرة. فارتفاع أعداد المغتربين الذين سارعوا إلى تسجيل أسماءهم للمشاركة في الانتخابات النيابية المرتقبة بنسبة كبيرة وقادرة على الإتيان بكتلة وازنة تكسر أكثرية المنظومة، يبشر بالخير، إذا ما رفده لبنانيو الداخل وجهدوا لإعادة تكوين وحدة عابرة للحدود والطوائف والاستزلام.
صحيح أن إجراء هذه الانتخابات ليس مضمونا، وصحيح أن خوف المحور الإيراني من تكرار التجربة العراقية قد يطيح بهذا الاستحقاق، وتحديدا لأن القوى السياسية التي شكلت غطاء لوصاية هذا المحور ومصادرته السيادة لقاء وصولها إلى السلطة تضرب أخماسا بإسداس مع مؤشرات خسارتها شعبيتها.
وصحيح أن البروفات التخريبية حاضرة في جعبة ذراع هذا المحور المتحكم بلبنان، لإمساكه بالمفاصل الأمنية والاقتصادية وقدرته على التدمير.. لكن المواجهة قادرة بدورها على كسر التحالف الشيطاني بين المافيا والميليشيا.
بالتالي، لم يعد أمام اللبنانيين المؤمنين بمفهوم المواطنة وبحقهم في وطن حر وسيد ومستقل إلا إشهار رفضهم لتحالف المافيا والميليشيا من خلال صناديق الاقتراع متى فُتِحت.
لم يعد مسموحا إلا إلحاق الهزيمة من خلال صناديق الاقتراع بمن تسميهم إيران تارةً حلفاء، وطورا جيوشا لحماية الإمبراطورية الفارسية، ودائما حملة سلاح من خارج الشرعية والدولة والتوافق الوطني، بما يشكل فائض قوة لا يمكن تصريفه إلا بالاستقواء على من يفترض أنهم شركاء في الوطن، فيحكمهم لصالح إيران وإن أنكر أنه الحاكم بأمره.
لم يعد مسموحا في ذكرى الاستقلال أن يرثي العالم لبنان المسلوب قراره والمنتهكة سيادته والمهدورة كرامة شعبه، في حين يسقط الرثاء من برقية الرئيس الإيراني.. لأن المطلوب تحقق. وهو يصب في بنك الأهداف المرتبطة بمشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحويل الدول التي تمكنت من السيطرة عليها، أوراقا تستثمر في هذا المشروع. وأن علة العلل تكمن في الجهد الذي تبذله إيران، لكن ليس في إطار المصالح المتبادلة، وإنما في إطار ترسيخ الخضوع للإملاءات الكفيلة بإلغاء الهوية الوطنية العربية لمصلحة تبعية تدميرية، والارتهان لمحور لا هم له إلا إبادة المؤسسات عبر تحويلها هياكل متصدعة، يسهل التحكم بها من خلال مرتزقة يموِّلهم ويدججهم بالسلاح والحقد والكراهية لكل ما يخالف مشروعه ويعرقل أجندته.
المطلوب، وعن سابق تصور وتصميم، أن يسقط استقلال لبنان سهوا إلى حيث هو اليوم..