الشرق اليوم- في الأسبوع الماضي، وقّعت باكستان اتفاقاً لوقف إطلاق النار لشهر مع حركة “تحريك طالبان باكستان”، ويمكن تمديد صلاحية الاتفاق إذا وافق الطرفان على ذلك.
أعلنت الحكومة الباكستانية أن المفاوضات مع “تحريك طالبان باكستان” حصلت بما يتماشى مع بنود الدستور الباكستاني، وعند الإدلاء بهذا التصريح في الأسبوع الماضي، قال وزير الإعلام فؤاد شودري إن “المحادثات مع “تحريك طالبان باكستان” ستأخذ بالاعتبار معايير سيادة الدولة، والسلام والأمن في المناطق الأكثر تأثراً، والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي”.
أكد الطرفان أن حركة “طالبان” الأفغانية أدت دور الوساطة في تلك المحادثات، وإنه تطور واعد لإعادة إرساء السلام في المناطق القبلية الباكستانية، لكن لم تتضح بعد طبيعة المحادثات ونطاقها، مما يثبت أن طريقة تفاوض باكستان مع “تحريك طالبان باكستان” هي جزء من المشكلة، لا الحل.
طالبت أحزاب المعارضة بطرح الاتفاق للنقاش أمام البرلمان، ودعا البعض إلى إجراء استفتاء وطني بشأنه، لكن لا تبدو الحكومة مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة أو المصادقة على أي شكل من هذا الاتفاق، حتى أنها لا تملك النفوذ التشريعي اللازم لفعل ذلك.
في الوقت نفسه، تعمقت الانقسامات في نظام عمران خان بسبب الاتفاق السري الأخير بين الحكومة و”تحريك طالبان باكستان”، وتصاعد ضغوط المعارضة على الحكومة نتيجة ارتفاع مستوى التضخم، وانزعاج الجيش من الحزب الحاكم بسبب مسائل مرتبطة بأسلوب الحُكم.
تطرح المقاربة المعتمدة إشكالية أخرى لأن حركة “طالبان” الأفغانية أدت دور الوساطة بين الطرفَين، فما الذي سيحصل إذا عجزت “طالبان” عن السيطرة على تصرفات الجماعة المسلّحة تجاه باكستان؟ وماذا لو بدأت “طالبان” تستغل “تحريك طالبان باكستان” لزيادة نفوذها في باكستان؟ وهل تستطيع باكستان الاتكال على جماعة مسلحة لتغيير سلوك جماعة مسلّحة أخرى تجاه الدولة الباكستانية؟
برأي بعض المحللين، تبدو المؤسسة الأمنية في باكستان مقتنعة بقدرتها على دفع “طالبان” إلى إجبار “تحريك طالبان باكستان” على عقد اتفاق مع الدولة الباكستانية، لكنها فرضية شائبة.
أولاً، قد ترغب “تحريك طالبان باكستان” في التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار مع باكستان لإرضاء الجهات التي تستضيفها في أفغانستان لأنها تخضع لضغوط من إسلام أباد، كذلك، تحتاج “طالبان” إلى دعم باكستان لدفع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بنظامها وتلقي بعض المساعدات الاقتصادية، وربما قررت الحركة الإصغاء إلى باكستان بسبب هاتين المشكلتين، لكن لا يمكن معرفة التقلبات التي ستشهدها هذه العوامل خلال ستة أشهر أو سنة.
ثانياً، لا أحد يستطيع توقّع مستقبل “طالبان” السياسي نظراً إلى تعثر الاقتصاد وزيادة اعتداءات تنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان” ضد “طالبان”.
ينذر الوضع القائم بتوسّع مظاهر الفوضى على طول الحدود بين باكستان وأفغانستان خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وآخر ما تريده إسلام أباد هو الاتكال على “طالبان” لإيجاد حل لمشاكلها الأمنية، إنه أنسب وقت إذاً كي تُجبِر باكستان “طالبان” على تسليم مقاتلين من “تحريك طالبان باكستان” وتغلق مخابئهم في أفغانستان.
في الماضي، لم تنجح المفاوضات مع “تحريك طالبان باكستان” والجماعات الحليفة لها يوماً، بل إن هذا النوع من التطورات سمح للحركة بزيادة قوتها وتكثيف هجومها ضد الدولة الباكستانية.
سبق أن أقدمت “تحريك طالبان باكستان” على قتل آلاف الباكستانيين، منهم عدد من الأولاد، ويستحيل أن توقف الحركة هذا النوع من عمليات القتل إلا إذا تم سحقها.
يجب أن تتخلص الدولة الباكستانية إذاً من المفهوم المغلوط الذي يتوقع أن يصبح الإرهابيون مواطنين صالحين أو يتمكنوا من إيجاد حلول لأزمتها الأمنية، فهذا النهج لم ينجح يوماً ولن ينجح الآن لأي سبب.