الرئيسية / مقالات رأي / عن القمة الأمريكية الصينية

عن القمة الأمريكية الصينية

بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – الهدف المعلن لقمة الرئيسين جو بادين وشي جين بينغ، هو ضمان عدم تحول المنافسة بين الدولتين إلى صراع مفتوح. ويمكن بعبارات أخرى تسميتها قمة منع نشوب حرب عالمية ثالثة في العالم، أو قمة استدامة السلام مع إبقاء المنافسة الحالية تحت السيطرة.

ولكن هل كانت النوايا الحسنة يوماً عاملاً في وقف شهية الصدام المسلح والسباق الأعمى لتحقيق النصر وإنزال الهزيمة بين القوى المتنافسة المتقاربة في قوتها العسكرية والاقتصادية والشديدة الاعتداد بمشاعرها القومية ونفوذها السياسي؟

إن التاريخ البشري في هذا المجال عبارة عن سلسلة متصلة من الحروب التي تندلع بتخطيط مسبق أو عن طريق مصادفة سيئة، أو بسبب مخاوف أو أطماع، ويحرك نيرانها قادة دول أو جيوش يتحكم بهم الطموح لتحقيق النصر وسحق الأعداء، والغرور والإيمان الأعمى بحتمية كسب الحرب.

وبالعودة إلى التاريخ القريب، فقد ذكر الزعيم البريطاني ونستون تشرشل، في مذكراته التي سجل فيها وقائع الحرب العالمية الثانية، أنها كانت حرباً غير ضرورية بكل ما حملته للبشرية من مأسٍ وكوارث مروعة حاقت بكل الأمم والشعوب، وأنه كان من الممكن تجنبها واستدامة السلام الذي تحقق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى لو أن معسكر المنتصرين في الحرب الأولى وضعوا برنامجاً صحيحاً لاستدامة السلام.

ويوضح الزعيم البريطاني الذي قاد بلاده إلى النصر في تلك الحرب الكارثية، أن معسكر المنتصرين قدّم بيده اليمنى تمويلات مالية ضخمة للحكومات الألمانية؛ لمساعدتها في إعادة بناء ما دمرته الحرب، لكنه قام بسحب تلك الأموال بيده اليسرى، بحجة التعويضات التي يجب أن يدفعها الشعب الألماني الذي تسبب في نشوب الحرب الكونية والدمار الهائل الذي صاحبها. وأدت مشاعر النقمة المتزايدة لدى الشعوب الألمانية إلى ظهور أدولف هتلر المحب للحرب والدمار.

وعلى الرغم من أنه من غير الواقعي وغير الممكن توصيف الوضع التنافسي الحالي بين الولايات المتحدة والصين بأجواء ما قبل الحرب العالمية الثانية، والأوضاع التي كانت سائدة حينها، إلا أن اعترافات الزعيم البريطاني الذي خاض غمار الحربين العالميتين الأولى والثانية مقاتلاً وقائداً وسياسياً، تظل صحيحة. فالحروب يمكن تفاديها، ولكن ليس بالأقوال أو النوايا الحسنة، وإنما بالتحليلات السليمة لحقائق السياسة، وبالإجراءات الصحيحة في الأوقات الصحيحة.

تبادل الزعيمان بايدن وشي جين بينغ عبارات في غاية التهذيب والكياسة، في قمة غلبت عليها أجواء من الهدوء والسكينة، رغم الخلافات الموضوعة على طاولة البحث. والتهذيب والكياسة صفات شخصية قد تكون دائمة وقد تكون طارئة لكنها ليست أمراً حاسماً.

والواضح أن الاجتماع لم يخرج بغير هذه اللفتة النموذجية للحوار المتمدن حول النزاعات التي تُبقي علاقات البلدين في مربع المنافسة الخطِرة. لم تخرج القمة بإجراءات محددة، وإن كانت حفلت بتعهدات غامضة. لم يقدّم أي طرف تنازلات أو حتى ضمانات في ما يتصل بقضايا الخلاف التنافسي العسكري والسياسي والتجاري. ومن هنا يمكن القول أن قمة بايدن وجين بينغ كانت استشكافية، وتستبطن محاولة لتأجيل المواجهة وليس منعها كلياً.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …