بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- مع احتشاد السفن والطائرات الحربية في مياه وأجواء البحر الأسود، وارتفاع منسوب التوتر والتحذيرات المتواترة حول إمكانية اندلاع حرب بين روسيا والغرب، ولو عن طريق الخطأ، كما يقول قائد الجيش البريطاني، بات البحر الأسود ساحة لاختبار القوة وإثبات الذات في ظل حالة من الارتباك والفوضى في قيادة الساحة الدولية.
قد يكون التنافس على قيادة الساحة الدولية هو السبب الجوهري القابع في خلفية مشهد التشابك واحتشاد الأساطيل والطائرات الحربية في مياه وأجواء البحر الأسود، لكنه بكل المقاييس يمثل استفزازاً وربما تحدياً كبيراً لروسيا، خاصة وأنه يحدث قرب حدودها الجنوبية. لكن ثمة أسباب أخرى مباشرة تتعلق بتطورات أزمتي أوكرانيا والهجرة على الحدود البيلاروسية البولندية. هاتان الأزمتان، في الواقع، نقلتا الصراع بين روسيا والغرب إلى مراحل متقدمة، على الرغم من إمكانية التوصل إلى حلول سياسية لهما، وقد حاولت موسكو النأي بنفسها عن أزمة الهجرة على الحدود البيلاروسية البولندية وأبدت استعدادها للتعاون في حل الأزمة، لكن الغرب يصّر على تحميل روسيا مسؤولية الأزمة باعتبارها الداعم لمينسك وتهديداتها بإغراق أوروبا بالمهاجرين رداً على العقوبات وما قيل عن وقوفها وراء محاولة انقلاب ضد نظام لوكاشينكو، وبالتالي بدلاً من التعاون، ارتفعت نبرة التهديدات العسكرية، بل سارعت بعض الدول الحليفة لوارسو، بينها بريطانيا والولايات المتحدة، إلى إرسال مستشارين ووحدات عسكرية إلى الحدود البولندية مع بيلاروسيا.
وفي الحالة الأوكرانية، وهي مضطربة أصلاً، جرى الحديث عن حشد نحو 100 ألف عسكري روسي على الحدود مع أوكرانيا. والحقيقة أن نبرة موسكو ارتفعت بحدة مؤخراً بعد تزايد الحديث عن إمكانية انضمام كييف إلى حلف “الناتو”، والكشف عن وجود قوات عسكرية أمريكية على أراضيها.
وبالعودة إلى البحر الأسود وتسخين الأجواء وارتفاع حرارة المياه الباردة، ثمة عنوان واحد لكل هذه التحركات هو “ردع روسيا”، وهو العنوان الذي يتجاوز في الواقع منطقة البحر الأسود وأزمتي الهجرة وأوكرانيا، إلى الصراع الأشمل والأهم بشأن قيادة الساحة الدولية، ومرد ذلك، بحسب الخبراء، هو التراجع الأمريكي وانتهاء دور واشنطن الأحادي في القيادة الدولية، وتبلور نظام متعدد الأقطاب على الأرض.
وبما أن هذا النظام لا يزال في طور بناء وتكريس نفسه كنظام عالمي جديد، يحتدم الصراع بين كل القوى الكبرى المتنافسة سعياً وراء إظهار قدرتها على الهيمنة وإثبات جدارتها على القيادة منفردة. وما يحدث في البحر الأسود هو نوع من الحوار المستند إلى القوة يسعى فيه كل طرف لتأكيد أهدافه في الهيمنة والنفوذ، بمقدار ما هو أيضاً اختبار للتقارب الروسي- الصيني ومدى جدية هذا التقارب وإمكانية تطوره إلى تحالف عسكري من شأنه أن يقلب موازين القوى في الساحة الدولية. أما عن التحدي الغربي لروسيا في البحر الأسود، فيبدو أن موسكو واثقة أن لديها من وسائل الرد أكثر من توقعات الغرب، لكنها لا تريد اللجوء لذلك، كما عبرت هي، لأنها تدرك الأهداف الحقيقية لهذا الاحتشاد.