بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- الوضع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي ينحو منحى خطيراً في الآونة الأخيرة. مناورات للحلف في البحر الأسود، بينما تجري روسيا وبيلاروسيا مناورات برية مشتركة بالقرب من الحدود البيلاروسية – البولندية، التي تشهد منذ أسابيع توتراً بسبب محاولة آلاف اللاجئين من مناطق الحروب في العالم، العبور نحو أراضي الاتحاد الأوروبي، انطلاقاً من بيلاروسيا. وفي المقابل، دفعت بولندا بتعزيزات عسكرية إلى حدودها الشرقية، وطلبت مساعدة حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
والرسالة التي توجهها الولايات المتحدة إلى روسيا عبر مناورات البحر الأسود، تنطوي على دلالة لا تقبل الالتباس، ألا وهي أن الغرب سوف يساند أوكرانيا، إذا أخطأت روسيا الحسابات وأقدمت على غزو شامل للجمهورية السوفياتية السابقة، رداً على تعزيز كييف علاقاتها العسكرية بأوروبا والولايات المتحدة وتركيا.
وفي الواقع، ليست المناورات البحرية في البحر الأسود، سوى النسخة الأخيرة من سلسلة مناورات تجريها القوات الأطلسية على نحو متكرر مع القوات الأوكرانية. ويمكن القول إن الغرب يتعامل مع أوكرانيا وكأنها دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، من دون أن تكون منتمية رسمياً إليه.
وخلال زيارة لكييف في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، نقل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن معه مساعدة عسكرية بقيمة 60 مليون دولار، من أصل مساعدة بقيمة 160 مليون دولار قررتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لأوكرانيا، للوقوف في “وجه العدوان الروسي”.
وسارع الجيش الأوكراني إلى عرض قوة للمسيرات التركية، من خلال توزيعه شريطاً مصوراً أواخر تشرين الأول لقيام إحداها باستهداف موقع عسكري للانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقة الدونباس شرق البلاد.
ويكثر الرئيس الأوكراني في الآونة الأخيرة من إطلاق تصريحات يهدد فيها باستعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، ويؤكد عزم كييف على سحق المتمردين في الشرق.
وبمقارنة هادئة، هناك فرق كبير في موازين القوى بين روسيا وأوكرانيا. لكن المشكلة تكمن في احتمال أن تشجع المساعدات العسكرية الغربية، المسؤولين في كييف على التخلي عن النهج العقلاني ومعاودة العمليات العسكرية ضد الانفصاليين. ومن هنا يصير الدعم الغربي لأوكرانيا وكأنه تمهيد لهز الاستقرار في المنطقة، لأن روسيا ربما لا تكتفي هذه المرة بدعم الانفصاليين فقط، بل قد تشن غزواً شاملاً لأوكرانيا. فهل الغرب مستعد للدخول في حرب شاملة مع روسيا من أجل أوكرانيا؟ هذا التساؤل أوردته مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية.
هذا السؤال الذي يتعين على الولايات المتحدة وبقية دول حلف الأطلسي أن تسأله، في الوقت الذي تقدم فيه المساعدات العسكرية السخية لكييف. وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن وضع مراراً خطاً أحمر أمام تمدد الأطلسي إلى أوكرانيا، وما الحشد العسكري الضخم في نيسان (أبريل) الماضي على الحدود الأوكرانية، سوى رسالة تعبر عن جدية الكرملين.
ووقت يربط الغرب بين ما يجري على الحدود البيلاروسية – البولندية و”الجبهة الأوكرانية”، فإن تلك مسألة بديهية لخريطة المواجهة المتصاعدة مع روسيا منذ ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، وتدخلها العسكري إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد عام 2015، إلى إرسال مجموعة “فاغنر” إلى ليبيا عام 2020، وإلى مالي العام الجاري.
إنه صراع بين ما ترى روسيا أنه حق لها في الدفاع عن مصالحها في العالم، ودفاع الغرب المستميت عن المكاسب التي حققها بانهيار الاتحاد السوفياتي.
وفي سياق هذا الصراع، ترتفع حدة التوتر الذي لاحظ رئيس الأركان البريطاني الجنرال نيك كارتر، أنه يتخذ نسقاً غير مسبوق منذ انتهاء الحرب الباردة، ليصل إلى التحذير من مغبة “اندلاع نزاع مكشوف بسبب أي صدفة”.
روسيا تواكب مناورات الأطلسي في البحر الأسود، والحدود البولندية – البيلاروسية تشهد حشوداً من الجانبين. والشرق الأوكراني مستنفر في انتظار المفاجآت. والمواقف المتشددة تتوالى من كل الأطراف.
ومن يضمن في هذا المناخ المتأجج، عدم حصول احتكاك يكون شرارة لحرب أوسع؟