بقلم: عماد محمد العباد – صحيفة “الرياض”
الشرق اليوم – كتبت الأسبوع الماضي مقالاً حول المسلسل الكوري المثير للجدل “لعبة الحبار”، والذي يعد أكثر المسلسلات مشاهدة في عام 2021 بحسب تصنيف مجلة نيوزويك. هذا المسلسل شكل إضافة كبيرة في رصيد القوة الناعمة لكوريا الجنوبية؛ والتي تشهد التفاتة عالمية لها بعد سلسلة من النجاحات التي حققتها في عالم صناعة الترفيه، خصوصاً بعد النجاح الذي حققه فيلم Parasite الحائز على جائزة الأوسكار لعام 2020. بالإضافة إلى النجومية الساحقة التي يتمتع بها الفريق الغنائي الكوري BTS.
ليس غريباً أن تتوسل كوريا الجنوبية صناعة الترفيه كأداة ناعمة للفت أنظار العالم لها، والتربع في الجزء المشرق والسعيد من اللاوعي الجمعي، إذ إن هذه المساعي ستموضع كوريا في ذهن المتلقي كبلد جميل يقطنه ناس طيبون، وبالتالي تتحقق الأجندة التي تسعى لها هذه الأمة والتي سأتحدث عنها لاحقاً.
في عام 2018 زرت كوريا في رحلة عمل التقيت خلالها عمدة سيؤول، دار بيننا حديث حول الثقافة الكورية، قال لي: إن ثقافتهم بدأت تنتشر في العالم، وابتسم وهو يضيف “حتى لديكم في السعودية هناك إقبال جارف على المسلسلات الكورية”، في تلك الرحلة التي جمعت عدداً من الصحفيين أتذكر جيداً أننا عدنا من كوريا مبهورين من الجدية الصارمة التي يتعامل بها الكوريون مع ملف الاقتصاد والتنمية في بلادهم، والقفزات الهائلة التي حققوها في هذا المجال.
ولأن مستقبل هذا البلد الذي يسلك ذات الجادة اليابانية، يعتمد كثيراً على الصناعة وخلق الثقة في المنتجات التي يقدمها للعالم؛ فإن الحكومة تتعامل مع ازدهار علاماتها التجارية العملاقة مثل إل جي، سامسونغ، كيا، هيونداي بجدية بالغة لا تجعل مجالاً لخيار آخر غير النجاح.
أسلوب القوة الناعمة الذي تتخذه كوريا لترويج اسمها عالمياً لا يهدف لنشر الثقافة الكورية أو التبشير بأيديولوجيا من أي نوع؛ بل هدفه بكل بساطة اقتصادي بحت، إذ ترى الإدارة الكورية أن مثل هذه الجهود تساهم في تسهيل دخولها إلى الأسواق وتقبل المستهلك للمنتج الكوري.
التحدي كبير أمام كوريا الجنوبية، فهي تحمل عبء جارتها الشمالية، خصوصاً أن غير المهتمين وغير العارفين -وهم كثر حول العالم- لا يعرفون الفرق الشاسع بين تلك الدولتين التي تقبع إحداهما في الماضي السحيق بينما تعيش الأخرى في المستقبل. لكن من يرى الجدية التي تتعامل بها كوريا الجنوبية مع اقتصادها وتنميتها يعرف أن الكوريين بتجربتهم الملهمة، قادرون على تجاوز كل التحديات.