الرئيسية / مقالات رأي / التغيير الوزاري الجديد وأفق حلّ أزمة الإعلام الجزائري

التغيير الوزاري الجديد وأفق حلّ أزمة الإعلام الجزائري

بقلم: أزراج عمر  – النهار العربي 

الشرق اليوم – تميز المشهد السياسي الجزائري هذا الأسبوع بالتغيير الوزاري الطفيف الذي أجراه الرئيس عبدالمجيد تبون وأنهى خلاله مهام وزراء الفلاحة عبدالحميد حمداني والعمل عبدالرحمن لحفاية والاتصال (الإعلام) عمار بلحيمر، وعين مكانهم وزراء جدداً هم على التوالي محمد عبدالحفيظ هنَي ويوسف شرفة ومحمد بوسليماني.

ويفسر المراقبون السياسيون الجزائريون هذا الإجراء، رغم محدوديته، بإدراك الرئيس الجزائري الأخطار التي تنذر بها المشكلات المتراكمة والمزمنة التي تتخبط فيها هذه القطاعات الوطنية الأساسية وذلك رغبة منه في معالجتها في أسرع وقت قبل استفحالها كي يتمكن من تنفيذ برنامجه الذي انتخب على أساسه رئيساً للبلاد.  

وفي الواقع فإن حلّ أزمات قطاعات الفلاحة والعمل والإعلام سيمكّن الجزائر من تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية وفي مقدمها الاستغناء عن استيراد المواد الغذائية بالعملة الصعبة والتغلب على البطالة التي تهدد الاستقرار الاجتماعي والتصدي للهجمات الإعلامية المختلفة التي تتعرض لها الجزائر والتي تقودها منابر إلكترونية ومكتوبة ومسموعة ومرئية، وبخاصة في الضفة الفرنسية الشمالية التي ما فتئت تحاول النيل من الجزائر وشخصيتها التاريخية وهويتها الثقافية في آن واحد. 

في هذا السياق سنركز هنا على تأزم مشكلة الإعلام في الجزائر فقط ونضع جانباً قضيتي الفلاحة والعمل والتشغيل إلى فرصة أخرى علماً أنهما مهمتان ومحوريتان في الحياة الجزائرية.

وهنا نتساءل: لماذا يريد الرئيس الجزائري إحداث تغيير راديكالي في قطاع الإعلام بالذات؟ وهل يعني أن سبب تغيير وزير الإعلام السابق عمار بلحيمر وتعيين محمد بوسليماني مكانه يرجع فقط إلى فشل بلحيمر في مهمته الإعلامية رغم أنه مكث في منصبه مدة معتبرة (من 2 كانون الثاني/يناير 2020 إلى يوم تنحيته في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2021) حيث لم يحدث طوال هذه المدة أي نقلة نوعية تتصل بسياسات الإعلام الجزائري وتطبيقاتها الميدانية سواء على المستوى المحلي أم على المستوى الدولي المفقود في أجندات هذا الإعلام منذ الاستقلال إلى الآن؟ 

يجمع محللون سياسيون جزائريون على أن سبب تنحية بلحيمر لا ينحصر في هذا الفشل المهني وكفى وإنما يعود أيضاً إلى تناقض مواقفه التي توصف في وسائل التواصل الاجتماعي بالانتهازية من الحراك الشعبي وإلى وصمة الإشاعات التي تدور حول ابنه الذي يقال إنه متورط في تجارة المخدرات وفي استخدام وسائل النقل الخاصة في وزارة الإعلام لأغراض خاصة. 

وأكثر من هذا كله فإن بلحيمر نفسه شذَ عن قاعدة مطالب الحراك الشعبي  والشخصيات الوطنية وأحزاب المعارضة والمجتمع المدني وقام بتكريس الجهوية في إسناد المسؤوليات والمناصب التي تدر الأموال وذلك عبر تعيينه أكثر من 13 مسؤولاً كبيراً ينتمون جميعاً إلى المنطقة التي ولد فيها وهي محافظة جيجل، على رؤوس مؤسسات إعلامية حساسة في عاصمة البلاد وفي مقدمها جريدة “الشعب” التي تعد أكبر صحيفة يومية رسمية بالعربية عرفتها الجزائر المستقلة وذلك قبل الانفتاح الإعلامي للنظام الجزائري وإشراكه القطاع الخاص في تملك الصحف والفضائيات وليس القنوات الإذاعية سواء في العاصمة، أم في محافظات البلاد.

من المعلوم أن بلحيمر كان أستاذاً للقانون في جامعة الجزائر العاصمة بعد تخرجه دكتوراً في جامعة السوربون – ديكارت في فرنسا، وأكثر من ذلك فقد كان مؤسس ورئيس تحرير يومية “غداً الجزائر” لمدة عامين، ثم شغل منصب مدير الاتصال الإعلاني في الشركة الوطنية للإشهار، الهيئة الحكومية التي تخصص عائدات الإعلانات للصحافة، وزيادة على ذلك فقد تولىَ منصب مدير الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة الفرعية في المؤسسة ذاتها. ويفترض أن هذه الخلفية تعني أنه يملك علاقة وطيدة، نظرياً وميدانياً، بقطاعي الإعلام والإشهار المرتبط به، ولكن هذه العلاقة لم تترجم ميدانياً ولم ينتج منها أي تحسين لأوضاع الإعلاميين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وأي تطوير مادي أو أخلاقي ومعنوي للمؤسسات الإعلامية الوطنية التي تولى مسؤوليتها كوزير للاتصال وكناطق رسمي باسم الحكومة معاً. 

وفي الحقيقة فإن الوزير بلحيمر لم يطلق في فترة توليه مسؤولية وزارة الإعلام أي مشروع إعلامي جزائري يمكن أن يؤسس هوية إعلامية وطنية أو دولية جديدة لمصلحة الجزائر، وبالعكس فقد أبقى على المؤسسات الإعلامية التقليدية المتخلفة كما أعاد إنتاج  ممارسات وزراء الاتصال السابقين، فوقف كفرانكوفوني حاجزاً فولاذياً عالياً ضد فتح المجال واسعاً لدخول الصحف والمجلات العربية التنويرية الكبرى التي تصدر في المشرق العربي أو في المهاجر الأوروبية لتساهم في غرس الثقافة العربية التنويرية في نفوس الأجيال الجزائرية الجديدة وفي تغطية الشأن الثقافي والاجتماعي والسياسي الجزائري عن كثب وفي تقديم نماذج حيوية ومتقدمة للصحافة المتطورة التي يمكن أن يتعلم منها الإعلاميون الجزائريون وأن يستفيد من مضامينها القراء المتعطشون عبر الوطن. 

بالاضافة إلى ما تقدم فإن وزير الإعلام السابق بلحيمر قد أغلق الأبواب حتى على الصحف والمجلات الأوروبية البارزة بمختلف لغاتها وبخاصة الفرنسية والإنكليزية الأمر الذي كرَس نمطية الانغلاق الإعلامي الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في الجزائر  وفرض الأحادية الإعلامية التقليدية التي اعتاد على بؤسها القراء الجزائريون. وفضلاً عمّا تقدم فقد تمت عرقلة وتصفية بعض الفضائيات العربية المرخص العمل من الجزائر بدلاً من التعامل معها بذكاء وحكمة قصد إقامة الحوار معها واحتواء المتطرفة منها، ولقد ساهم هذا المناخ السلبي أيضاً في غلق عدد من الصحف والمجلات والفضائيات الجزائرية بواسطة حرمانها من عائدات الإشهار أو جراء التضييق على حريتها في التعبير. 

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …