بقلم: إبراهيم الزبيدي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- قد يوافق النظام الإيراني على التخلي عن وجوده في اليمن ولبنان وسوريا، إذا ما وجد الاحتفاظَ به هناك يكلفه أكثر من مردوده السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، ولكنه غير مستعد للتخلي عن العراق حتى لو خاض من أجل الاحتفاظ بهيمنتهِ عليه حربا جديدة لا تقل طولا وبشاعة عن حربه الأولى التي امتدت ثماني سنوات، وعجز عن احتلاله في نهايتها.
فالعراق في ذاكرة القوميين الفرس الإيرانيين السياسية والعسكرية، بموقعهِ الجيوسياسي ومكانته التاريخية وثرواته الطبيعية وامتداده العربي، أكبرُ خطرٍ يهدد الأمن القومي الإيراني إذا ما توحد وعاد إلى حريته واستقراره وقوته، وإذا ما انتعشت فيه الهوية الوطنية الرافضة لأية وصاية أو احتلال.
وعليه فمن الضروري إذن إبقاؤه غارقا في الفوضى والفساد والاقتتال، والمسارعة إلى ردع أي مسؤول عراقي، مدني أو عسكري، يحاول أن يفلت من القبضة الإيرانية، أو يحاول التملص من خدمة المصالح الإيرانية في العراق ولو بالاغتيال.
منذ انتفاضة تشرين 2019 والحصانُ العراقي الجامح يتململ ويتمرد وينتفض بثبات وصمود وشجاعة، رغم سقوط أكثر من 600 شهيد من خيرة شبابه، والآلاف من المصابين والمغيبين
ولأنها تعرف، تاريخيا وجغرافيا، أن العراق صعبُ المراس، حصانٌ جامح لم يستطع ترويضه أشدُّ الحكام الذين توالوا على حكمه عبر الزمن الطويل قسوةً وجبروتا ودكتاتورية، فقد لجأت إيران إلى تقييده بالعشرات من الميليشيات الوقحة لتركيعه، خلافا لما كان حالها في غيره من بلاد.
فهي، مثلا، تمكنت بميليشيا واحدة هي حزب الله من الإمساك برقبة المجتمع اللبناني والهيمنة عليه بسهولة حتى بدون أن يكلف قاسم سليماني نفسه مباشرةً عناءَ الإشراف العملي اليومي على تركيعه كما فعل في العراق، وكما يفعل اليوم وريثُه إسماعيل قاآني.
والحال نفسه في اليمن. فلم يكن الحرس الثوري بحاجة إلى أكثر من ميليشيا واحدة، هي جماعة الحوثي، ليمزق وحدة الوطن اليمني، وليملك أجزاءً مهمة وحيوية من أرضه وجباله، وينجح في تحويلها إلى قواعد انطلاق هجومية للسيطرة على المضائق البحرية الحيوية، ولإشغال المملكة العربية السعودية وزعزعة أمنها واستقرارها.
أما في العراق فقد اضطر الولي الفقيه نفسه، شخصيا، إلى أن يتولى التخطيط والتنفيذ للإمساك بزمام الأمور فيه، عامدا إلى تأسيس العشرات من الميليشيات الكبيرة التي تفوق أسلحتُها الحديثة المتطورة، خفيفةً وثقيلة، ومنها الصواريخ والمسيرات، سلاحَ الجيوش الحكومية، مع الآلاف من العملاء والجواسيس الذين زرعهم في مفاصل الدولة العراقية، لضمان السيطرة على حركة الحياة اليومية السياسية والمالية والعسكرية والأمنية والخدمية والتموينية والعلاقات الخارجية، وحتى الثقافية والعقائدية منها.
فمن قبل الغزو الأميركي عام 2003 عمد نظام الخميني الذي تعلم من حربه الخاسرة في الثمانينات إلى تجنيد أوسع شريحة ممكنة من الشيعة العراقيين في ميليشيات مسلحة لكي يتولوا بالنيابة عنه مقاتلة الشعب العراقي الذي حاربَه وانتصر عليه.
وفي أولى ساعات الغزو الأميركي بدأ تدفق المسلحين عبر الحدود المفتوحة مع العراق، بحجة أنهم كانوا مهجرين أو أسرى عائدين إلى بلادهم، تحت سمع الجيوش الأميركية ونظرها.
وفي العام 2014، أي بعد احتلال داعش لمحافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، تمكن قاسم سليماني من انتزاع ما سمي بالفتوى الجهادية من المرجع السيستاني، بذريعة تحرير المحافظات المحتلة، فقام بتشكيل الحشد الشعبي وجعله تحت قيادة أكثر خدمه العراقيين المؤتمنين على رعاية المصالح الإيرانية التوسعية، ثم ضم إليه أغلب الفصائل والميليشيات التي كان قد أنشأها قبل ذلك.
ويبلغ عدد قوات الحشد الشعبي نحو 130 ألف مقاتل يشكلون أكثر من 35 فصيلاً تتحمل الحكومة العراقية رواتبهم وجميع تكاليف سلاحهم ومقار ميليشياتهم وسياراتهم ومعداتهم الضرورية.
فيلق بدر: وهو أهم وأكبر المجاميع، وتتمتع عناصره بخبرة عسكرية كبيرة بقيادة هادي العامري.
حزب الله العراقي: تأسس عام 2003 برئاسة أبومهدي المهندس الذي قُتل إثر غارة جوية للطيران الأميركي قرب مطار بغداد بداية 2020، ويبلغ عدد التشكيل قرابة 7000 مقاتل في العراق.
كتائب سيد الشهداء: ويبلغ عدد أفرادها 4 آلاف عنصر مسجلين بالحشد الشعبي.
سرايا الخراساني: وتتبع بشكل مباشر لولاية الفقيه في إيران، وتحمل شعار الحرس الثوري الإيراني، ويبلغ عدد أفرادها 3 آلاف مقاتل.
سرايا الجهاد والبناء: وهي الجناح العسكري للواءِ المنتظر، ويبلغ عدد أفرادها 3500 مقاتل، وهي مسجلة ضمن الحشد الشعبي.
كتائب التيار الرسالي: تأسست عام 2014 وتتكون من 2000 مقاتل تحت قيادة علي الشحماني.
كتائب الإمام علي: تشكلت في عام 2014، وهي تتبع لمقتدى الصدر.
سرايا عاشوراء: ويبلغ عدد مقاتليها 6 آلاف مقاتل، برئاسة رئيس المجلس الأعلى العراقي همام حمودي.
سرايا العتبات: يبلغ عدد مقاتليها 5 آلاف مقاتل.
لواء علي الأكبر: ويبلغ عدد أفراده 1000 مقاتل، وينتشر في الأنبار وفي محافظة صلاح الدين.
لواء أبوالفضل العباس: ويُقدر عدد مقاتليه بأكثر من 12 ألفا، ومقره على الطريق الدولي بين بغداد وكربلاء، وعلى الحدود العراقية – السورية بين معبر الوليد الحدودي والقائم.
حركة النجباء: وهي حركة منشقة عن عصائب أهل الحق.
سرايا السلام: تشكلت عام 2014 بزعامة مقتدى الصدر، ولديها 7 آلاف مقاتل مسجلين بالحشد الشعبي. كما أن لها حوالي 20 ألف مقاتل غير مسجلين بالحشد الشعبي.
عصائب أهل الحق: وهي منشقة عن جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، يتزعمها قيس الخزعلي، ويصل عدد المقاتلين فيها إلى 15 ألفا.
كتائب جند الإمام: وتتكون من عدة ألوية أهمها اللواء 6 واللواء 4، تتبع لقوات الحشد الشعبي، وكتائب سيّد الشهداء تابعة لفيلق بدر.
عدد قوات الحشد الشعبي يبلغ نحو 130 ألف مقاتل يشكلون أكثر من 35 فصيلاً تتحمل الحكومة العراقية رواتبهم وجميع تكاليف سلاحهم ومقار ميليشياتهم وسياراتهم ومعداتهم الضرورية
هذا عدا العشرات من المجاميع المسلحة الصغيرة السرية التي تتولى القيام بمهام خاصة، في ظروف خاصة، منها اغتيال المعارضين أو اختطافهم أو تهريب السلاح والمخدرات، وتسمى بـ”الطرف الثالث”.
ولكن، وبرغم كل هذه الميليشيات وسلاحها وجبروتها وحملات القمع والترويع والتغييب والتهجير وحرق المنازل والمزارع التي تقوم بها لإرهاب المعارضين، حتى لو كانوا شيعة، وبرغم جميع الإغراءات وعمليات شراء ذمم الانتهازيين من السنة والكرد، لم ينعم الاحتلال الإيراني، يوما واحدا بهدوء وبراحة بال.
وعلى الأقل، منذ انتفاضة تشرين 2019 والحصانُ العراقي الجامح يتململ ويتمرد وينتفض بثبات وصمود وشجاعة، رغم سقوط أكثر من 600 شهيد من خيرة شبابه، والآلاف من المصابين والمغيبين.
أما خسارة المعسكر الولائي الإيراني في انتخابات العاشر من أكتوبر 2021 التي عاقبهم فيها الناخب العراقي، رغم مقاطعة ثلاثة أرباع الشعب، فقد رسمت طريق الهزيمة النهائية لسلاح الميليشيات، وعودة الوطن إلى أهله سالما ومعافى.
وقد جاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء الغبية الخائبة لتكون أمّ الهزائم التي دوخت النظام الإيراني فأرسل على الفور إسماعيل قاآني محاولا إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من وجودٍ فاعل لميليشياته في السنوات الأربع القادمة التي لا يعلم بما سيفعله الحصان الجامح خلالها إلا الله والغارقون في السياسة.