افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تفجرت في ليبيا أزمة سياسية جديدة تضاف إلى سلسلة الأزمات السياسية والأمنية التي تلقي ظلالاً كثيفة من الشك حول مصير الانتخابات المقررة يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، أي بعد شهر ونيف من الآن.
الأزمة أثارها المجلس الرئاسي الليبي بقراره إيقاف وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش عن العمل، وإحالتها للتحقيق، ومنعها من السفر، بحجة «انفرادها بالسياسة الخارجية من دون التنسيق معه، بالمخالفة للاتفاق السياسي»، وردّ الحكومة ببطلان القرار «لأن مخرجات الحوار السياسي الموقع في جنيف، لا تعطي أي حق قانوني لمجلس الرئاسة في تعيين أو إقالة أعضاء السلطة التنفيذية أو إيقافهم أو التحقيق معهم»، واعتبرت الحكومة القرار بأنه «والعدم سواء».
خلفيات القرار هي تصريح للمنقوش حول قضية لوكيربي، وحديثها عن الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة لتسليم «مطلوب» في القضية، من دون أن تشير إلى اسمه، والمقصود مسؤول المخابرات السابق أبو عجيلة مسعود المعتقل في طرابلس.
من حيث المبدأ لا يحق للمجلس الرئاسي اتخاذ مثل هذا القرار، لأن مجلس النواب وحده له الحق في ذلك باعتباره الجهة الوحيدة التي منحت الحكومة الثقة، وهو الذي يسحبها. لكن للقرار أبعاداً أخرى تتجاوز هذا التصريح الذي اتخذ كذريعة فقط. فالأمر يتعلق أساساً بمواقف المنقوش الداعية لخروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا قبيل الانتخابات، وهو ما تؤكده في كل مواقفها المعلنة، الأمر الذي يثير حفيظة أعضاء المجلس الرئاسي المؤيد لبقاء القوات الأجنبية والميليشيات، ذلك أن معظم أعضاء المجلس يرتبطون بشكل أو بآخر مع جماعة الإخوان المسلمين، ولعل ما قصم ظهر البعير، هو الخلاف بين المنقوش والمجلس الرئاسي حول تعيين السفراء، إذ تعترض المنقوش على بعض الأسماء التي رشحها المجلس، وترى أن التعيين هو من صلاحياتها وصلاحية الحكومة فقط.
الإجراء الذي اتخذ بحق المنقوش يأتي في وقت تتجلى فيه التوترات بين الحكومة والمجلس الرئاسي، إضافة إلى فشل كل الجهود التي تبذل من جانب أطراف دولية لتنفيذ انسحاب متزامن للقوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، ورغم الاجتماعات والقرارات المتتالية التي اتخذتها اللجنة العسكرية (5+5)، ومؤتمري برلين، ومجلس الأمن بهذا الخصوص.
كما أن الإجراء بحق وزيرة الخارجية يأتي قبل انعقاد المؤتمر الدولي في باريس يوم الجمعة المقبل حول ليبيا، بهدف التحضير للانتخابات التي ستفتح الطريق أمام حل سياسي في ليبيا في حال إجرائها. لكن المعضلة تبقى قائمة إذا لم يتم حسم مسألة وجود القوات الأجنبية والمرتزقة قبيل موعد الانتخابات، وهو أمر ضروري، إذ من الصعب أن تجري من دون تحقيق هذا الشرط الذي يفترض عدم وجود أية قوة أجنبية تعمل لصالح أي طرف من الأطراف. ثم من يمثل ليبيا في مؤتمر باريس إذا كان مجلس الرئاسة يمنع وزيرة الخارجية من السفر؟