By: Joseph Nye
الشرق اليوم – هناك فكرة جديدة تكسب زخماً مزيداً بين بعض الساسة وصناع القرار في واشنطن: الولايات المتحدة في حرب باردة مع الصين. إنها فكرة سيئة — سيئة على التاريخ، وسيئة على السياسة، وسيئة لمستقبلنا.
لقد تراجعت إدارة بايدن بحكمة عن ذلك التأطير، إلا أن تصرفات الرئيس تشير إلى أن استراتيجيته في التعامل مع الصين قد تعاني بالفعل من التفكير في الحرب الباردة، وهو ما يحوّل عقولنا إلى نموذج الشطرنج التقليدي ذي البعدين، ولكن المنافسة مع الصين لعبة ثلاثية الأبعاد. وإذا واصلنا لعب الشطرنج ثنائي الأبعاد، فسوف نخسر.
ورغم أن الصراع مع الاتحاد السوفياتي والمنافسة الحالية مع الصين لم يسفرا عن نشوب قتال شامل، فإن الألعاب الراهنة مختلفة تماماً. خلال الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفياتي تهديداً عسكرياً وآيديولوجياً مباشراً للولايات المتحدة. لم تكن لدينا أي روابط اقتصادية أو اجتماعية تقريباً، وكان الاحتواء هدفاً ممكناً، نظراً لأن اللعبة كانت مبنية على فرضية بسيطة ثنائية الأبعاد، أن القتال الوحيد كان بين الجيشين، وكل طرف يعتمد على عدم ضغط الطرف الآخر على الزناد أولاً. لكن مع الصين، تتضمن اللعبة ثلاثية الأبعاد توزيعاً للقوة على كل مستوى — عسكري واقتصادي واجتماعي — وليس مستوى واحداً فقط.
ولهذا السبب، فإن استعارة مسمى الحرب الباردة، رغم كونه مريحاً بقدر ما، فإنه متثاقل الخطى وربما خطير. إذ إنه يحجبنا ويضللنا عن طريق الاستخفاف بالتحدي الحقيقي الذي نواجهه – وطرح استراتيجيات غير فعالة في مواجهته.
على المستوى الاقتصادي، فإن الاعتماد المتبادل عميق بين الولايات المتحدة والصين. فقد كان للولايات المتحدة أكثر من نصف تريليون دولار في التجارة مع الصين في عام 2020، وفي حين تتحدث بعض الأصوات في واشنطن عن «الانفصال»، فمن الحماقة أن نتصور أننا قادرون على فصل اقتصادنا بالكامل عن الصين من دون تكبد التكاليف الباهظة. ولا ينبغي لنا أن نتوقع من بلدان أخرى أن تفعل الشيء نفسه، لأن الصين تعد الآن – وفقاً لبعض التقارير – أكبر شريك تجاري لعدد من البلدان يفوق عدد بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة.
وهناك أيضاً تشابك عميق بين النسيج الاجتماعي في الولايات المتحدة والصين: هناك الملايين من الروابط الاجتماعية، من الطلاب والسياح وغيرهم، بين البلدين. ومن المستحيل فعلياً الفصل بين القضايا البيئية مثل الأوبئة وتغير المناخ.
إن الاعتماد المتبادل سيف ذو حدين. فهو يخلق شبكات من الحساسية إزاء ما يحدث في بلد آخر من الممكن أن تشجع على توخي الحذر. ولكنه يخلق أيضاً نقاط ضعف يمكن لبكين وواشنطن محاولة التلاعب بها كأدوات للتأثير.
ورغم العوامل السابقة، تفترض طريقة التفكير ثنائية الأبعاد أن الولايات المتحدة يمكنها أن تواجه الصين إلى حد كبير بسبب تفوقها العسكري. وفي حين تعمل الصين على تحديث قواتها، فإن الولايات المتحدة لا تزال القوة العالمية الحقيقية الوحيدة (رغم أنه من غير الواضح كم من الوقت سوف تستمر في ذلك) ويتعين رسم الخطوات الأفقية بعناية، مثل تحسين العلاقات مع الهند، وتعزيز التحالف مع اليابان – على رقعة الشطرنج العسكرية التقليدية، من أجل الحفاظ على توازن القوى في آسيا. وفي الوقت نفسه، لا يمكن الاستمرار في تجاهل مختلف علاقات القوة في المجالس الاقتصادية أو عبر الوطنية – وكيفية تفاعل تلك المستويات. وإذا فعلنا ذلك، فسوف نعاني.
على الصعيد الاقتصادي، يتسم توزيع القوة بالتعددية القطبية، حيث تكون الولايات المتحدة والصين وأوروبا واليابان كبرى الجهات الفاعلة. وعلى المستوى الوطني، عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل تغير المناخ والأوبئة، تلعب الجهات الفاعلة غير الحكومية أدواراً قوية ولا توجد دولة واحدة تملك السيطرة المطلقة.
ورغم هذا، فإن الولايات المتحدة لا تنتهج سياسة تجارية كافية للتعامل مع شرق آسيا، وهو ما يترك المجال مفتوحاً للصين. وفيما يتصل بالقضايا العابرة للحدود الوطنية، فإن الولايات المتحدة تجازف بالسماح للعلاقات السيئة مع بكين بتعريض الأهداف المناخية للخطر. والصين هي أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري. كما حذّر وزير الخارجية الصيني وانغ يي الولايات المتحدة من توقع بقاء مفاوضات المناخ كالواحة في صحراء تعج بالعلاقات الشاملة.
ولا تستطيع أي دولة أن تحل القضايا العابرة للحدود الوطنية مثل تغير المناخ والأوبئة وحدها. وبالتالي فإن سياسات الترابط البيئي تشتمل على القوة مع الآخرين. كما أن المنافسة السياسية اليوم مختلفة. فالولايات المتحدة وحلفاؤها لا يهددهم تصدير الشيوعية كما كانوا في أيام ستالين أو ماو. فجهود الدعاية الشيوعية طفيفة، وقليل من الناس اليوم يخرجون إلى الشوارع مؤيدين لأفكار شي جينبينغ.
بدلاً من ذلك، تستغل الصين نظام الاعتماد الاقتصادي والسياسي المتبادل العميق لدعم حكومتها الاستبدادية والتأثير على الرأي العام في البلدان الديمقراطية لمواجهة الانتقادات واستباق وقوعها. والدليل على ذلك، علينا فقط النظر إلى العقوبة الصينية ضد حليفتي الولايات المتحدة النرويج وأستراليا للجرأة على انتقاد الصين في ملف حقوق الإنسان. ومن شأن وضع استراتيجية ثلاثية الأبعاد الاعتراف بأن هذه الإجراءات التي اتخذتها الصين تتيح فرصاً لاتخاذ خطوات داعمة تزيد من نفوذ الولايات المتحدة بدورها. ومن شأن الاتفاقات التجارية أن تساعد في ذلك، وكذلك الاتفاق الأخير على تصدير تكنولوجيا الغواصات النووية إلى أستراليا.
للأفضل أو للأسوأ، فإننا عالقون في «منافسة تعاونية» مع الصين تتطلب صياغة استراتيجية قادرة على تحقيق هذين الأمرين المتناقضين: التنافس والتعاون – في آن واحد.
وفي الداخل، يتعيّن على الولايات المتحدة العمل على تعزيز مزاياها التكنولوجية، من خلال زيادة الدعم لمشاريع البحث والتطوير. وعلى المستوى العسكري، يعني هذا إعادة هيكلة القوى التقليدية لدمج التكنولوجيات الجديدة وتعزيز التحالفات المذكورة آنفاً.
على المستوى الاقتصادي، خلّف الانسحاب الأميركي من الشراكة عبر المحيط الهادئ فجوة هائلة في مجال تجاري مهم. وفيما يتعلق بالقضايا العابرة للحدود الوطنية، نحتاج إلى تعزيز وتطوير المؤسسات والمعاهدات الدولية – مثل منظمة الصحة العالمية، واتفاق باريس للمناخ – للتصدي لقضايا الصحة والمناخ.
ينظر المتشائمون إلى حجم السكان ومعدلات النمو الاقتصادي في الصين، ويعتقدون أنها ستنتصر. ولكن إذا تعاملنا مع حلفائنا على أنهم أصول، فإن القوة العسكرية المجمعة والثروات الاقتصادية للديمقراطيات الغربية المنحازة – الولايات المتحدة وأوروبا واليابان – سوف تتجاوز كثيراً تلك التي تملكها الصين في هذا القرن.
الرئيس بايدن مُحق في أن الحديث عن الحرب الباردة هو أكثر سلبية من كونه إيجابياً. ولكنه يحتاج أيضاً إلى ضمان توافق استراتيجيته في التعامل مع الصين فيما يتناسب مع اللعبة ثلاثية الأبعاد.
ترجمة: الشرق الأوسط