بقلم: جولاس علم وأنيرودا غوسال
الشرق اليوم- مع كل موجة مد وجزر، يشاهد عبد الستار البحر وهو يستنزف جزءاً جديداً من حياته، كانت بلدته “بونوتولا” في جنوب غرب بنغلادش تشمل في السابق أكثر من ألفَي نسمة، كان معظمهم من المزارعين على غرار عبدالستار البالغ من العمر 58 عاماً. ثم أدى ارتفاع منسوب مياه البحر إلى تسمّم التربة بالمياه المالحة، ودمّر إعصاران في آخر سنتين السدود الطينية التي تحمي البلدة من أمواج المد والجزر، واليوم لم يبقَ في البلدة إلا 480 شخصاً وقد أصبح الباقون مشرّدين قبالة البحر.
بدأت آثار الاحتباس الحراري، لا سيما الأعاصير المتزايدة والفيضانات الساحلية التي تجلب المياه المالحة إلى البر، تدمّر بنغلادش ومعيشة ملايين الناس، يقول محمد شمسدوها، الرئيس التنفيذي في “مركز تنمية البحوث التشاركية”: “هذا الوضع مقلق جداً بالنسبة إلى بلد مثل بنغلادش، وتكشف التقديرات أن 30 مليون شخص قد ينزحون من المناطق الساحلية”.
تزامناً مع اجتماع قادة العالم في غلاسكو، اسكتلندا، لحضور مؤتمر مناخي من تنظيم الأمم المتحدة، تضغط دول مثل بنغلادش لنيل دعم مالي إضافي يسمح لها بالتكيف مع مشكلة الاحتباس الحراري.
لم تُنفَّذ بنود صفقة قائمة منذ عشر سنوات وتفرض على الدول الغنية أن تمنح الدول الفقيرة 100 مليار دولار سنوياً للانتقال إلى الطاقة النظيفة والتأقلم مع التغير المناخي، وحتى المبالغ المالية المتاحة (نحو 80 مليار دولار في عام 2019) تتوزع بطريقة عشوائية لدرجة ألا تُحدِث أي فرق على أرض الواقع.
في بلدة “غابورا” الواقعة في دلتا نهر البنغال، تجد نجمة خاتون (43 عاماً) صعوبة في إعالة ابنتَيها، فهي تصرف نصف مدخولها اليومي المحدود (أقل من 3$ من خياطة القماش وبيعه) على الأدوية لمعالجة الأمراض الجلدية التي يعانيها جميع سكان البلدة، كما تقول، بسبب ارتفاع مستوى البحر وتلوث الأراضي والمياه.
وفق مؤشر أداء التغير المناخي الذي تطرحه منظمة “جيرمان ووتش” غير الربحية، اقتصر عدد البلدان المتضررة أكثر من بنغلادش بسبب التغير المناخي على ستة دول في العالم بين العامين 2000 و2019، فخلال تلك السنوات، خسرت بنغلادش 0.41% من ناتجها المحلي الإجمالي نتيجة التغير المناخي، وأدى إعصار واحد في عام 2019 إلى تكبّدها خسائر بقيمة 8.1 مليارات دولار.
ورغم زيادة الناتج المحلي الإجمالي من 6.2 مليارات دولار في عام 1972 إلى 305 مليارات في عام 2019، تعجز بنغلادش عن تحمّل كلفة الاحتباس الحراري وحدها.
تطرقت رئيسة وزراء بنغلادش، الشيخة حسينة، أمام القادة الآخرين يوم الاثنين قبل الماضي إلى مسألة شائكة ودعت أبرز الجهات الملوّثة إلى دفع التعويضات بسبب الدمار الذي يسببه الاحتباس الحراري، فقالت: “لا بد من معالجة مسألة الخسائر والأضرار، ويجب أن يتحمل العالم مسؤولية المهاجرين بسبب المناخ والنازحين نتيجة ارتفاع مستوى البحر، وزيادة الملوحة، وتآكل الأنهار، والفيضانات، والجفاف”.
يشمل اتفاق باريس للمناخ من عام 2015 بنداً عن هذا الموضوع أصلاً، وتنصّ المادة الثامنة على ضرورة أن يعترف أطراف الاتفاق بأهمية تجنّب وتقليص ومعالجة الخسائر والأضرار المرتبطة بعواقب التغير المناخي المعاكسة، بما في ذلك أحوال الطقس المتطرفة، ودور التنمية المستدامة في تقليص حجم الخسائر والأضرار”.
يقول سليم الحق، مدير “المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية”، في وثائقي جديد: “للأسف، لم يُدفَع قرش واحد للتعويض عن الخسائر والأضرار”.
يظن الحق أن إنشاء صندوق للتعويضات الخاصة بحوادث تسرّب النفط سيكون نموذجاً مفيداً كي تموّل أكبر الجهات الملوِّثة، لا سيما شركات الوقود الأحفوري، الدول التي جُرِفت جُزرها أو المزارع التي أصبحت صحراوية بسبب الاحتباس الحراري.
لكن تشعر الدول الغنية، مثل الولايات المتحدة، بالقلق من أي اقتراح قد يجعلها مسؤولة قانوناً عن انبعاثات غازات الدفيئة التي لا تزال تقبع في الغلاف الجوي منذ عقود، ومع ذلك، من الضروري أن تُعالَج هذه المسائل برأي سليم الحق، وإلا سيكون مؤتمر غلاسكو فاشلاً بنظر الدول النامية، لا سيما الأكثر ضعفاً بينها.
لكن يظن عبدالستار من جهته أن الأوان قد فات على هذه الخطوات، ففي كل صباح، تتدفق الأمواج إلى منزله ويضطر ابناه للهرب، ويقول عبدالستار، وهو يشير بإصبعه إلى خندق موحل كان في السابق ساحة أُقيم فيها قبر والديه، إن البحر حرمهم من مستقبلهم وماضيهم.