By: LILYANA PAVLOVA
الشرق اليوم – يواجه العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي الأكثر فقرا مأزقا مزدوجا. فرغم أن هذه البلدان تنتمي إلى الفئة الأشد تعرضا للآثار المدمرة المترتبة على تغير المناخ، فإنها تواجه أيضا مخاطر أعظم ناجمة عن التحول إلى اقتصاد رقمي أخضر خال من الانبعاثات.
لتحقيق انتقال سلس وعادل، تحتاج هذه البلدان إلى استثمارات موجهة نحو احتياجاتها الخاصة. تاريخيا، كان قدر كبير من الاستثمار العام في بلدان الاتحاد الأوروبي الأكثر فقرا متركزا في البنية الأساسية المرتبطة بالتجارة مثل الطرق السريعة والسكك الحديدية. لكن استراتيجيات الاستثمار المعززة للنمو هذه باتت الآن بحاجة إلى التطور لمساعدة الجميع على إدارة تكاليف التحول الأخضر، الأمر الذي سيتطلب أشكالا جديدة من البنية الأساسية والتدابير الرامية إلى دعم العمال في الصناعات الكثيفة الاستخدام للكربون.
لكي تتمكن أوروبا من تنفيذ أجندتها المناخية الطموحة، يتعين عليها أن تعالج ندرة الاستثمار النسبية في الاستدامة في المناطق الأضعف اقتصاديا. لهذا السبب، يعيد بنك الاستثمار الأوروبي النظر في “توجهه بشأن التماسك” على النحو المبين في ورقة بحثية جديدة تتناول بالفحص استثماراتنا في الأجزاء الأقل نموا من الاتحاد الأوروبي. يتلخص طموحنا في زيادة المبالغ التي نقرضها في هذه المناطق إلى 45% من إجمالي استثماراتنا، وتوسيع نطاق دعمنا ليشمل كل المناطق حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من المتوسط في الاتحاد الأوروبي.
يشكل استخدام التمويل العام للتقريب بين أجزاء الاتحاد الأوروبي إحدى مهام بنك الاستثمار الأوروبي التأسيسية. على مدار فترة ميزانية الاتحاد الأوروبي الأخيرة لسبع سنوات (2014-2020)، استحوذت المشاريع في مناطق التماسك على 30% من قروض بنك الاستثمار الأوروبي ــ بإجمالي 120.8 مليار يورو (139.6 مليار دولار أميركي)، وكانت عوائد هذه الاستثمارات مجزية. تُـظـهِـر نماذجنا الداخلية أن إقراضنا في مناطق التماسك سيعمل خلال هذه الفترة على تعزيز النمو بما لا يقل عن نصف نقطة مئوية وتشغيل العمالة بنحو عُـشري النقطة المئوية على الأقل كل عام على مدار الأعوام الثلاثين المقبلة.
لقد رأيت التأثيرات الإيجابية المترتبة على سياسات التماسك في الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر من خلال تجربتي السابقة بصفتي وزيرا للتنمية الإقليمية ورئيس السلطة الإدارية للتنمية الإقليمية في بلغاريا. عملت الأدوات المالية، مثل قروض بنك الاستثمار الأوروبي وضماناته واستثماراته في الأسهم وخدماته الاستشارية وشراكاته، على تسريع الاستثمار بشكل ملموس، بما في ذلك من خلال جذب رأس المال الخاص. الآن، ستساعد هذه الأدوات على تكميل عمل مرفق التعافي والمرونة وآلية الانتقال العادل في الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من أن المناطق الأقل نموا في الاتحاد الأوروبي تقع في الأغلب في وسط وشرق أوروبا، فإن بعض أجزاء من البرتغال واليونان، والمناطق الجنوبية من إيطاليا وإسبانيا، لها تاريخ طويل من النمو المنخفض ولا تزال هي أيضا تحاول اللحاق بالرَكب. علاوة على ذلك، تناضل العديد من المناطق الصناعية الثرية سابقا في التعامل مع العولمة والتغير التكنولوجي. وفي النهج الجديد الذي يتبعه بنك الاستثمار الأوروبي، ستتلقى مناطق التماسك (حيث يقل نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي عن 75% من المتوسط في الاتحاد الأوروبي) ما يصل إلى 23% من إجمالي قروض الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2025. لكن المفوضية الأوروبية صنفت أيضا “المناطق الانتقالية” حيث يبلغ الدخل نحو 75% إلى 100% من المتوسط في الاتحاد الأوروبي على أنها مجموعات جديدة معرضة للخطر. سوف تحتاج هذه المناطق ــ التي ربما تقع في بلدان تتراوح من فرنسا وإسبانيا إلى فنلندا وهولندا ــ إلى دعم موجه للتعامل مع تحديات مثل الاعتماد على التصنيع المنخفض التكنولوجيا، وارتفاع تكاليف وحدة العمل، والتحصيل التعليمي المنخفض نسبيا، وتدهور تشغيل العمالة في الصناعة.
ما يدعو إلى التفاؤل أنه لا يوجد تناقض بالضرورة بين التماسك وأهداف المناخ الطموحة. في الواقع، يسير الاثنان جنبا إلى جنب، لأن الفشل في ضمان عدم تخلف أحد عن الركب سيؤدي بكل تأكيد إلى تعطيل أجندة المناخ.
ولكن لإثبات مصداقية هذه الحجة لعامة الناس، يتعين علينا أن نؤكد على منظور أبعد أمدا، وأن نذكر الناس بأن التكاليف المرتبطة بالتحول الأخضر لن تكون إلا جزءا بسيطا من التكاليف الكارثية التي سنتكبدها إذا فشلنا في معالجة تغير المناخ. إن قوة هذا المنطق الاقتصادي هي السبب الذي يجعلنا في بنك الاستثمار الأوروبي واثقين من قدرتنا على زيادة إقراضنا لمناطق التماسك وتوسيع الحصة الخضراء من محفظة قروضا إلى 50% بحلول عام 2025. يتمثل المفتاح إلى تحقيق هذه الغاية في توجيه الدعم بعناية، وتحديد المشاريع التي تخدم الهدفين. ولا يوجد نقص في فرص الاستثمار في التنقل النظيف، وكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة، وإدارة المياه ومياه الصرف الصحي، والصناعات التي تقع في مركز أي اقتصاد دائري، وخاصة الغذاء والزراعة.
في أوروبا على الأقل، تطغى المناقشة حول إزالة الكربون على الارتباكات المحتملة في الوظائف والصناعات بسبب التحول الرقمي. لكن الفجوات البنيوية في النشاط الرقمي والابتكار القائمة بين مناطق التماسك وبقية أوروبا كبيرة حقا. وفقا لدراسة مسح الاستثمار لعام 2020 التي أجراها بنك الاستثمار الأوروبي، لم تشارك 63% من الشركات في المناطق الأقل نموا في أوروبا في أي “أنشطة ابتكارية”. وحتى بين الشركات الضخمة، كانت نسبة الشركات التي تسعى وراء الابتكار والإبداع أقل كثيرا من أي مكان آخر في أوروبا (39% مقارنة بنحو 52%). ونحن في احتياج إلى سياسات جديدة لمساعدة هذه المناطق في حفز الإبداع ورفع مستويات الدخل والتكيف مع العصر الرقمي.
وعلى هذا فإننا نخطط، كجزء من نهجنا الجديد في التعامل مع مسألة التماسك، للتصدي لهذه المشكلة من خلال مساعدة الشركات ذات رؤوس الأموال المتوسطة في المناطق الأقل نمو على تبني التكنولوجيات، وإدارة مشاريع البحث والتطوير، والحصول على التمويل (بما في ذلك من خلال تقديم القروض لها بشكل مباشر أو من خلال برامج وسيطة). وتشكل الشركات ذات رؤوس الأموال المتوسطة أهمية خاصة، لأن الأبحاث تُـظـهِـر أنها قادرة على ترك أثر إيجابي قوي في مجتمعاتها.
في النهاية، الهدف من كل هذا ليس مساعدة مناطق التماسك فحسب، بل التقريب بين الأوروبيين وتعزيز الوحدة التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.