بقلم: حمزة عليان – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم– الكتاب أهداني إياه السفير عبدالله يعقوب بشارة نظراً لاهتماماته الواسعة بالرواية السوفاتية تجاه الكويت والعراق، وهو بعنوان “فاسيلي كولوتوشيا… مرفوع عنها السرية” دار أبعاد للطباعة– بيروت ترجمة ماهر سلامة وتحقيق يوسف مرتضى، تولى إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية عام 1990، وفي مجمل الرواية لم يهدف إلى تبرئة ماضيه السوفياتي، كل ما في الأمر أنه سجل شهادته تجاه الشرق الأوسط لأن كانت بلاده شريكة في ما يجري هنا.
تولى منصبه كمدير لإدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يوم 4 أغسطس 1990 أي بعد يومين من الاجتياح العراقي للكويت واحتلالها، يتساءل ما الذي دفع صدام حسين للهجوم على الكويت؟ ألم تكفه حرب السنوات الثماني الدامية مع إيران؟ هل أراد مغامرات جديدة تسوقه إلى “مصيبة أخرى”؟
بحكم ذاك المنصب يعلم أن الكويت أثناء الحرب العراقية– الإيرانية كانت بمنزلة الرئة التي تتنفس منها بغداد، ومن خلالها تتلقى المواد الغذائية ومختلف السلع والبضائع والأهم من كل ذلك الأسلحة والذخائر لجيشها، هنا يذكر أنه خلال عامي 1984-1985 وكان قائماً بأعمال الاتحاد السوفياتي زار طه ياسين رمضان عدة مرات وهو الرئيس الفعلي للحكومة العراقية، يتناقش معه حول أفضل السبل لتزويد العراق بالمعدات العسكرية السوفياتية، وكان هناك عدة اقتراحات، إما عن طريق ميناء العقبة أو عن طريق ميناء الكويت، وكان لهذا الخط الأفضلية في أعين العراقيين لأن الجانب الكويتي يتحمل كل النفقات المرتبطة بدخول البواخر والسفن السوفياتية المرتبطة بتفريغ وتخزين المعدات، وهناك ثمة أمر آخر، وهو دخول الكويت والسعودية والإمارات بتجمع يعمل على منح القروض بمليارات الدولارات للعراق ولولاها لما تحمل الاقتصاد العراقي أعباء الحرب مع إيران.
المهم أن هذا الدبلوماسي وجد نفسه غارقاً في بحر من العمل المرتبط بـ”الأزمة الكويتية” كما يسميها مع طاقم عمل تشكل من رئيس الأركان ونائب وزير الخارجية المسؤول عن الشرق الأوسط ونوابه الثلاثة، تحت قيادة إدوارد شيفرنادزه.
شرح الظروف المحيطة بالأزمة والاتصالات الشخصية مع وزير الخارجية، قبل اجتماع القاهرة (مؤتمر القمة العربي) ويحكي هنا قصة الرسالة التي صاغها ووجهت إلى الرئيس حسني مبارك لدعمه في موقفه وموجهة من الرئيس غورباتشيف شخصياً وكان الوسيط بذلك السفير أحمد ماهر الذي أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد.
تابعه مستجدات “الأزمة الكويتية” وقيامه بتدبير إجلاء الخبراء السوفيات وعائلاتهم من العراق وعلى وجه السرعة وعددهم يقرب من 8 آلاف شخص، وظهر خلاف كبير وانقسام حاد بالدائرة المحيطة بغورباتشوف بين بريماكوف وشيفردنازه حول التعامل مع ملف “المشكلة الكويتية”، وجهة نظر مؤلف الكتاب أن ما حصل كان “عدوانا بيناً وواضحا ولابد من إلزام العراقيين بالانسحاب وضرورة إرغامهم على ذلك واستعادة استقلال دولة الكويت”. كانت وجهة نظر بريماكوف، كيف نساعد صدام على الخروج من الكويت بأقل خسائر ممكنة، ولا يجوز أن نؤدي دور العبيد للأميركيين في المنطقة! يجب أن نساعد صدام في الانسحاب بكرامة وحفظ ماء الوجه!
الرئيس غورباتشوف كان موقفه مذبذباً ومتردداً خاصة بالتنسيق مع إدارة بوش وحائراً تجاه نصائح بريماكوف بإجراء حوار ثنائي مع القيادة العراقية، ومع هذا جاء طارق عزيز إلى موسكو وانتهى اللقاء بدون نتائج! ينقل الدبلوماسي السوفياتي عن طارق عزيز استياءه من مقارنة صدام حسين بجمال عبدالناصر وهذا “كلمنجي على عكس رئيسنا، إنسان يهتم بالفعل لا بالقول، ونحن لا نخشى الأميركيين وإن اقتربوا من الحرب فسيندمون على ذلك، كل الخليج سيشتعل وكل العرب سيثورون”.
رافق الدبلوماسي بريماكوف في رحلته إلى بغداد شهر أكتوبر 1990 ويستشهد بأربع مقالات كتبها بريماكوف في صحيفة “البرافدا” يستعرض فيها موقفه وبنقطة جوهرية أنه لو كان موقف السوفيات صلباً لما وقعت الحرب! وبقي إلى جانب بريماكوف بعد إقالة وزير الخارجية شيفرنادزه وأصبح أحد الكبار المعنيين بالملف العراقي، يسرد رحلته إلى بغداد يوم 12 فبراير 1991 عن طريق مدينة كرمنشاه الإيرانية ولقائهم بصدام في ملجأ تحت الأرض، أبلغ بريماكوف صدام “كارثة عسكرية ستقع إذا لم تعلن بدء الانسحاب من الكويت”، رد عليه صدام “أنت تدفعني إلى الاستسلام وإذا فعلت رفاقي سيطلقون النار علي ويعتبرونني خائناً”!
رواية سوفياتية جديدة تضاف إلى سلسلة روايات سبق أن ظهرت عن دورهم في التعامل مع صدام أثناء الغزو، ومن المفيد الاطلاع عليها للتاريخ.