By: Ian Kelly
الشرق اليوم – يوافق هذا الشهر الذكرى الأولى لوقف إطلاق النار في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان حول منطقة ناجورنو-كاراباخ المتنازع عليها في جنوب القوقاز، فقد انتهت الحرب الأولى بين البلدين عام 1994 بوقف إطلاق النار أيضًا، ثم اتفق الجانبان على مشاركة الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا في قيادة عملية تفاوض من أجل التوصل لحل دائم.
وفي عام 2012، طُلب مني أن أكون ممثلًا للولايات المتحدة في هذه العملية، وعلى الرغم من أن التفويض الرسمي لهذه الوظيفة قد وضع المبادئ الأساسية لكافة الحلول بما يجعلها تتطلب أن تكون أي قوات لحفظ السلام متعددة الأطراف، إلا أن الواقع كان مختلفًا، إذ اتفقت موسكو وواشنطن على أن قوة حفظ السلام لن تشمل القوتين العظميين، كما وافقت الأطراف المتحاربة على ذلك، ولقد اكتشفت ذلك قبل أحد اجتماعاتي التفاوضية الأولى، عندما أخذني مسؤول أذربيجاني كبير جانبًا وأخبرني أن السماح للقوات الروسية في ناجورنو-كاراباخ سيكون بمثابة «خط أحمر» بالنسبة لهم، وذلك لأنه «بمجرد وصول جنود حفظ السلام، فإنهم لا يغادرون أبدًا» على حد تعبيره.
ومع ذلك فقد تم وقف إطلاق النار في العام الماضي بوساطة روسية فقط، كما لم تضم قوة حفظ السلام التي تواجدت بعد ذلك سوى قوات روسية.
إذن، كيف حدث هذا التهميش الكامل لواشنطن وباريس؟ أرى أن أحد الأسباب هو رغبة الكرملين الثابتة في إعادة تأكيد الهيمنة الروسية على ما تعتبرها، تاريخيًا، أراضيها، فضلًا عن رغبتها فى تقليل التدخل الغربي في المنطقة.
ولكن هناك سبب آخر وهو إحجام البيت الأبيض والإليزيه عن الانخراط في عملية الوساطة، فقبل اندلاع الصراع الأخير، حاول دبلوماسيون من الولايات المتحدة وفرنسا على مدى سنوات إشراك قادتهم في إقناع رؤساء الطرفين المتنازعين بصنع السلام، ولكن الإدارات الأمريكية والفرنسية المتعاقبة رفضت القيام بذلك، فلم يكن كل من الرئيسين الأمريكيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب مستعدين للالتزام بالخطوات التي تؤدي إلى التوصل إلى اتفاق، إذ يبدو أن كلًّا منهما كان يعتقد أن الرئيس الأمريكي يجب أن يشارك فقط في حفل التوقيع النهائي.
وفي المقابل، فقد كان ثالث رؤساء الدول الأصلية المشاركة على استعداد للدخول في المفاوضات، فعلى مدى العقد الماضى، ظل بوتين يستضيف رؤساء أذربيجان وأرمينيا كل عام تقريبًا.
ولذلك فإنه عندما اندلعت الحرب في عام 2020، كان بوتين وحده على استعداد لإلقاء ثقله وراء وقف القتال، كما أنه بعدما اتفقت باريس وواشنطن بشكل غير مباشر على حل النزاع من خلال موسكو، فإنه قد بات بإمكانهما الآن الشعور بالراحة بعد وقف القتال ووجود قوة حفظ السلام الروسية، وذلك حتى لو كان بوتين قد أخرجهم من العملية.
وقد باتت روسيا الآن في مقعد القيادة بشكل غير مسبوق، إذ لديها قوات على الأرض في جميع دول القوقاز الثلاث، اثنتان بموافقة البلد المضيف (أرمينيا وأذربيجان)، وواحدة بدون الموافقة (جورجيا)، كما تعمل موسكو أيضًا على دفع آلية جديدة متعددة الأطراف للمنطقة تسمى «3+3»، والتي تشمل دول القوقاز بالإضافة إلى ثلاث قوى غير ليبرالية، وهي روسيا وتركيا وإيران.
وتبدو أذربيجان مستعدة للمشاركة في هذه الآلية الجديدة، التي تم تصميمها في المقام الأول لإنشاء طرق تجارية جديدة بين الشمال والجنوب عبر المنطقة، ولكن لم تعلن جورجيا، التي تقع 20% من أراضيها تحت الاحتلال الروسي، أو أرمينيا (بسبب نزاعاتها الحدودية مع أذربيجان)، أنهما ستشاركان في هذه الآلية الجديدة، وذلك على الرغم من أن كلًّا منهما قد أعربتا عن الانفتاح على أي مبادرات اقتصادية جديدة للمنطقة.
ولكن لماذا يجب أن يهتم الغرب بهذه التطورات؟ أولًا، هناك حقائق يجب النظر إليها، فقد كانت أذربيجان وجورجيا من المؤيدين الأقوياء لوجود ممر جنوبي لطاقة دول حوض بحر قزوين، كما تجنبت كل منهما المخارج الرئيسية الأخرى للنفط والغاز في آسيا الوسطى، عبر روسيا وإيران، ولذا فإن إتاحة المزيد من الفرص لهذه البلدان للوصول إلى التجارة والاستثمار الغربيين ستضعف القوة الاقتصادية لموسكو وطهران، وبالتالي قدرتها على تمويل الأفعال المؤذية في الخارج، وهناك حاجة أيضًا إلى وجود ضمانات أمنية لردع الجيش الروسي، ففي عام 2011، اعترف الرئيس آنذاك ديمترى ميدفيديف بأن روسيا قد غزت جورجيا في عام 2008 لمنعها وغيرها من الدول السوفييتية السابقة من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وهذه ليست الأسباب الوحيدة، فجميع دول القوقاز الثلاث، وهي أعضاء سابقون في الاتحاد السوفييتي، ليست خارج مدار موسكو بالكامل، ولا تزال خاضعة لاستخدام روسيا التهديدات ضدها، كما تدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رغبة الثلاثى في الاستقلال، ويبدو أن هناك اثنتين منها، أرمينيا وجورجيا، لديهما توجهات غربية، بعد أن أبرمتا اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، كما تريد جورجيا أيضًا الانضمام إلى الاتحاد والناتو.
ويمكن لجهود موسكو أن تحول القوقاز من محور شرق-غرب إلى محور شمال-جنوب، وبمجرد إنشاء طرق تجارية جديدة، سيكون لروسيا نوع من النفوذ على القوقاز التي أبدت باستمرار استعدادها لاستخدامه في أوكرانيا وبيلاروسيا ومولدوفا وأماكن أخرى، فقد استغل الكرملين موقعه المتداخل على خطوط الأنابيب والطرق البرية، مرارًا وتكرارًا، لمعاقبة الدول التي تتجرأ على التوجه نحو الغرب.
ومع ذلك، فإنه إلى جانب الآفاق القاتمة لحصول هذه الدول على عضوية الناتو والاتحاد الأوروبي، فإن الغرب لم يقدم الكثير من البدائل لخطة «3+3» هذه، فقد تُركت أوكرانيا وجورجيا، وكلتاهما تطمح إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، خارج هذه التجمعات الجيوسياسية المغلقة، وبالتالي فقد باتت بمثابة اختيارات سهلة لروسيا.
وصحيح أن حلف الناتو، الذي يضم ثلاثة أعضاء على ساحل البحر الأسود، قد بدأ في إيلاء اهتمام أكبر لأمن هذه المنطقة، ولكنه يحتاج إلى فعل المزيد، فعلى الرغم من أنه قد عمل على تحسين أمن البلطيق بشكل كبير من خلال وجود دفاعات في المنطقة، إلا أن هناك فجوة أمنية كبيرة حول البحر الأسود، إذ تهدد روسيا المجالات البحرية والجوية لحلف الناتو بشكل روتيني مع الإفلات من العقاب في كل مرة تقريبًا، كما تدعي بشكل غير قانوني أحقيتها فى المياه الأوكرانية المعترف بها دوليًا، باعتبارها روسية.
ولكن كافة التحركات الغربية تبدو محدودة وضيقة، ولا تقدم سوى القليل من الدعم الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي لدول القوقاز، ومن خلال الفشل في تقديم بدائل واقعية للآليات الاقتصادية والأمنية الخاصة بروسيا، فقد ترك الغرب منطقة أخرى تحت رحمة قوة مفترسة كما ساعد في خلق منطقة أخرى من عدم الاستقرار، ولكن يجب عليه أن يعمل على تصعيد لعبته الدبلوماسية قبل أن تخضع المنطقة للهيمنة الروسية غير الليبرالية بشكل أكبر.
ترجمة: المصري اليوم